أيّها المواطن اللبناني، إذا كنتَ تتساءل لماذا ما زلتَ غارقاً في العَوَز والتعتير، فالجواب بسيط ومؤلم في آنٍ واحد: لأنّك ما زلتَ تُكرّم السارق وتكافئ الفاسد بصوتك. لأنّك، على رغم من كل ما جرى، لا تزال تنتخب الذي حمى مَن سرق أموالك، ومَن غطّى على الفساد، وسكت عن النهب، ورفض التدقيق في حسابات المصارف التي أخذت أموالك ولم تعدها، ولا تزال ترفض أن تقول لك بوضوح ما هو مصير تلك الأموال، وما الذي حصل بودائعك وودائع عائلتك.
لكَ الحق أن تعرف حقيقة ما حصل بأموالك.
لك الحق أن تسأل، أن تُحاسب، أن ترفض الصمت الذي يريدونه منك. فالصمت ليس حياداً، بل مشاركة في الجريمة. ومَن يسكت اليوم عن معرفة الحقيقة، يُبرّر غداً سرقة جديدة.
نرجو أن تفهم، أيّها المواطن، أنّ مصلحتك الحقيقية هي ألّا تمنح صَوتك لأيٍّ من المسؤولين عن تعتيرك، لأولئك الذين ساهموا، عبر السنوات السابقة، في تكريس الجريمة المالية التي دمّرت الاقتصاد وسرقت تعبك وجنى عمرك. لا تمنحهم شرعية جديدة بصَوتك، فهم الذين تواطأوا بالصمت، أو شاركوا بالفعل، أو اكتفوا بتبرير ما لا يُبرَّر.
أمّا الذين يُسمَّون «جدداً» في السلطة، والذين لم يشاركوا مباشرة في الجريمة، فنسألهم: لماذا هم صامتون؟ لماذا لا يتكلّمون؟ ألا يعرفون أنّ مسؤوليّتهم الأولى هي الدفاع عن حقوق الناس؟ لماذا يقفون متفرّجين وكأنّهم غير معنيِّين بما يجري؟ لماذا لا يواجهون منظومة الفساد، ولا يسعون إلى تغيير العقليات التي دمّرت البلد؟
إنّ مَن يدخل إلى الحُكم ثم يلتزم الصمت أمام الظلم، يُصبح شريكاً فيه. ومَن يختبئ خلف الحذر أو الحسابات السياسية، يتحوّل إلى جزء من المستنقع نفسه الذي وَعَد الناس بالخروج منه.
أكرّر، لا تمنح صَوتك لِمَن غطّى وحمى مَن سرق أموالك، أولئك الذين سرقوا أو سمحوا بسرقة ودائعك وغطّوا على الفساد لا يستحقون أي مكافأة منك. صَوتك هو السلاح الوحيد المتبقّي لك لمحاصرتهم ومحاسبتهم. كل صَوت تمنحه لهم هو تأييد ضمني لنهبك ولخراب اقتصادك، ورسالة تقول لهم إنّ ما فعلوه مقبول، وأنّك على استعداد لتكراره. لا تمنح صَوتك لِمَن رفض التدقيق في حسابات المصارف، ولِمَن رفض التدقيق في حسابات كل مصرف على حدة ولم يُقدِّم تبريراً لسبب رفضه.
هناك العديد من اقتراحات الحلول ومسودات القوانين لمعالجة الأزمة، لكن فيها أرقام لا نعرف مدى صحّتها. فتح حسابات المصارف ومقارنتها بحسابات المصرف المركزي هو وحده الكفيل بتقديم الصورة الدقيقة لما جرى، وتحديد حجم الفجوة المالية والمسؤوليات بوضوح. فمن دون هذه الأرقام، لا يمكن الحديث عن حلول، ومن دون تشخيص دقيق، لا يمكن الحديث عن علاج. وهذه الخطوة هي أولوية مطلقة، إذ لا يمكن الانتقال إلى مرحلة المعالجة ووضع الحلول الواقعية قبل كشف الحقائق المالية كاملة وبالأرقام الدقيقة.
لا تمنح صوتك لِمَن أنتج قوانين هدّامة ومَن سكت عنها ولم يسعَ إلى تغييرها.
القوانين التي أضعفت المستثمرين وطردت رؤوس الأموال وأقفلت أبواب الفرص أمام الشباب هي أدوات لتدمير لبنان. مَن أنتجها أو دعمها لا يستحق ثقتك. هذه القوانين حوّلت لبنان من بلد يمكن أن يكون منصّة اقتصادية في المنطقة إلى ساحة صفقات ومحسوبيات، حيث يتحكّم الفساد في الكثير من القرارات الاقتصادية، بينما المواطن العادي يعاني يومياً من البطالة وارتفاع الأسعار وانهيار الخدمات.
لا تمنح صوتك لِمَن يرفض الشفافية المطلقة.
مَن يتهرّب من تطبيق الشفافية، ويرفض إقرار قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، هو مَن يُريد إبقاءك في الظلام. والظلام ليس مجرّد غيابٍ للنور، بل هو الغطاء الذي يُخفي السرقة، ويُشجّع على نهب ما تبقّى لك من مالٍ ومستقبل. فحين تُمنع عنك الحقيقة، تُسلب قدرتك على الدفاع عن نفسك. وحين تُحجب الأرقام والبيانات، تُفتح الأبواب أمام التلاعب والفساد.
تذكّر المآسي التي عشتها: الحرمان من حقوقك، أموالك التي ضاعت، جنى عمرك الذي تبخّر، عدم قدرتك على تأمين الطبابة، على تعليم أولادك، على ضمان مستقبل كريم لعائلتك. كَم من مرّة تأخّرت عن دفع فواتير ضرورية، أو أُجبرت على التضحية بأساسيات حياتك بسبب سوء إدارة مالية ونهب ممَّن يفترض أنّهم يحمون البلد؟ كل هذه المعاناة هي نتيجة مباشرة لِمَن سمحوا بالنهب وسكتوا عنه، أو مَن أصدروا قوانين جعلت الفساد مسموحاً ومكافأته مشروعة.
أيّها المواطن، إذا أردت أن تخرج من التعتير، فشجّع الأوادم على التقدّم إلى الانتخابات وادعمهم، لا تترك الساحة للفاسدين ولا تصمت أمام استمرار العبث بمصيرك. المستقبل لا يُصنع باليأس، بل بالجرأة على التغيير.
أمّا مَن كانوا في سدّة المسؤولية، فعليهم أن يتعهّدوا علناً، لا بالكلام بل بالفعل، بإعادة الودائع إلى أصحابها، فتح حسابات المصارف للتدقيق الكامل، تطبيق الشفافية المطلقة، إقرار القوانين التي تشجّع الاستثمار وتعيد الثقة بالبلد، وكذلك إصدار قوانين جديدة لمنع تكرار الكارثة.
مَن لا يلتزم بهذه البنود الواضحة لا يستحق صوتك، لأنّ مَن ضيّع أموال الناس وخنق الاقتصاد لا يمكن أن يكون شريكاً في الإصلاح.
إبدأ من الآن بالتحضير للانتخابات، لا تكرّر الخطأ عينه، ولا تسمح بأن يكون صَوتك هدية جديدة لِمَن دمّر حياتك ومستقبلك.