هل هذه هي كرة القدم التي تريدها؟
أوليفر كاي - نيويورك تايمز
Saturday, 18-Oct-2025 06:27

لم ينسَ تشابي ألونسو أبداً أول تعرّف له على الدوري الإنكليزي الممتاز. كان ذلك بعد ظهر يوم أحد في أواخر آب 2004، كان الجو بارداً على نحو غير معتاد في ملعب «ريبوك» (بولتون واندررز)، لكن بالنسبة إلى لاعب خط وسط ليفربول، القادم حديثاً من إسبانيا آنذاك، كانت الصدمة الثقافية الحقيقية هي ما حدث على أرض الملعب.

كشف ألونسو، الذي يتولّى حالياً تدريب ريال مدريد، في كتاب سايمون هيوز Ring of Fire: «كانت مباراة جامحة. كرات طويلة، كرات ثانية، لاعبون ضخام أقوياء بدنياً: كيفن نولان، كيفن ديفيز في المقدّمة، وسام ألارديس يمضغ العلكة ويصرخ بالأوامر من منطقته الفنية. عندما كان بولتون يحصل على ركلة حرّة، كانت كتيبة الدفاع تتقدّم إلى الأمام، ويبدأ الملعب بالاهتزاز».
كانت تلك صورة الـ«بريميرليغ» لسنوات طويلة: كرات طويلة، عالية، مرتدات، ركلات ركنية، ركلات حرّة، اندفاع بدني، ضوضاء، وصدامات. كما أقرّ جوزيه مورينيو خلال فترته الأولى في تدريب تشلسي، أنّ إنكلترا المكان هي الوحيد الذي رأى فيه احتفالاً بالركلات الركنية، يكاد يضاهي الاحتفال بالأهداف نفسها.
ارتفع مستوى ذلك أكثر حين صعد ستوك سيتي إلى الـ«بريميرليغ» عام 2008، وبدأ لاعب وسطه روري ديلاب في تنفيذ رميات تماس طويلة على نحو غير معقول، شبّهها ألارديس بإعجاب بصواريخ «سكود». في موسم 2009-2010، كان 31% من الأهداف المسجّلة في الدوري (باستثناء ركلات الجزاء) تأتي من الكرات الثابتة. 7 من أصل 20 فريقاً أنهوا ذلك الموسم بنسبة تمريرات ناجحة تقلّ عن 70%.
يتذكّر بيب غوارديولا تجربة مروّعة بعد فترة قصيرة من تولّيه تدريب مانشستر سيتي عام 2016: مواجهة فوضَوية بين سوانزي سيتي وكريستال بالاس، تابعها بمزيج من الذهول والقلق. وكشف للصحافيِّين بعد أسابيع، وهو لا يزال شاحب الوجه: «9 أهداف، 8 منها من كرات ثابتة (ركنيات، ركلات حرّة، رميات تماس). الكرة كانت في الهواء أكثر ممّا كانت على الأرض. هذه هي كرة القدم الإنكليزية، وعليّ أن أتأقلم، لأنّني لم أعِش هذا من قبل».

تأثير غوارديولا غيّر إنكلترا
هكذا كانت كرة القدم الإنكليزية. ليست دائماً، لكنها كانت السمة الغالبة في كثير من الأحيان. تأثير غوارديولا غيّرها بعمق. لم تعُد اللعبة كما وصفها سابقاً: سلسلة من الكرات الثابتة والمعارك على الكرات الثانية. بل أصبح الاستحواذ هو الملك. ارتفعت نسب التمريرات المكتملة ليس فقط في الـ»بريميرليغ»، بل في الدرجات الأدنى وصولاً إلى المستويات الشعبية، فبدأ المدربون واللاعبون يعتمدون على البناء من الخلف والضغط من الأمام، ويلعبون على طريقة غوارديولا.
لكن تماماً كما تعود أنماط اللباس والأنواع الموسيقية إلى الموضة كل 20 عاماً تقريباً، يبدو أنّ الدوري الممتاز يعيش اليوم نهضة لأسلوب العقد الأول من الألفية الجديدة. نحن في الجولة السابعة فقط من الموسم، لكن بالنظر إلى إحصاءات «أوبتا»، بدأت بعض الاتجاهات تبرز بوضوح:
- عادت الرميات الطويلة بقوّة لافتة. في موسمَي 2019-2020 و2020-2021، أُرسلت 6% فقط من رميات التماس من الثلث الهجومي إلى منطقة الجزاء. ارتفعت النسبة تدريجاً إلى 13% الموسم الماضي، لكنّها بلغت أكثر من 27% هذا الموسم.
- الأهداف الناتجة من الكرات الثابتة (الركنيات، الركلات الحرّة، والرميات الجانبية، من دون احتساب ركلات الجزاء) ارتفعت إلى 0,7 هدف في المباراة الواحدة، وهي أعلى نسبة منذ موسم 2010-2011.
- عدد التمريرات في المباراة الواحدة انخفض إلى 858، وهو الأدنى منذ موسم 2010-2011.
- نسبة ركلات المرمى المنفّذة بشكل طويل، بعدما تراجعت لـ9 مواسم متتالية، ارتفعت الآن إلى 51,9%.
- نسبة الأهداف المسجّلة بالرأس ارتفعت إلى 19,8%، وهي الأعلى منذ موسم 2000-2001.
في نظر البعض، سيُرحَّب بهذا الاتجاه. فليس هناك قلّة من المحللين والمشجّعين الذين يرَون أنّ تأثير غوارديولا جعل اللعبة مملّة، معتبرين أنّ التركيز على الاستحواذ والبناء من الخلف سلب الدوري الممتاز عفويّته ومتعة مفاجآته. الظهير السابق لمانشستر يونايتد باتريس إيفرا، اعتبر أنّ غوارديولا حوّل اللاعبين إلى «روبوتات» وأنّ تأثيره «قتلَ اللعبة».
لكنّ ردّ الفعل ضدّ غوارديولا وكرة القدم القائمة على الاستحواذ أثارا أسئلة مهمّة، ازدادت وضوحاً مع الأسابيع الأولى من الموسم. ما نوع كرة القدم التي يُريد الناس مشاهدتها؟ وإذا كنت من أولئك الذين قضوا السنوات الأخيرة يحنّون إلى أسلوب العقد الأول من الألفية، فهل تستمتع فعلاً بما تراه هذا الموسم؟
الأهداف من الكرات الثابتة ارتفعت. الجميع يُحبّ مشاهدة الأهداف، وإذا كانت الفرق (وليس أرسنال وحده) أصبحت أكثر براعة وابتكاراً في تنفيذ الكرات الثابتة، فهذا يبدو خبراً ساراً للمشاهدين. لكنّ العدد الإجمالي للأهداف المسجّلة انخفض بشكل ملحوظ. بعد 7 جولات و70 مباراة، شهدنا فقط 182 هدفاً. أي بمعدّل 2,6 هدف في المباراة، ما يعني أنّ الموسم يتّجه ليكون الأقل تسجيلاً للأهداف منذ موسم 2014-2015.
والأدهى أنّ عدد الأهداف المسجّلة من اللعب المفتوح انخفض من 2,38 هدف في المباراة قبل موسمَين، إلى 2,15 هدف الموسم الماضي، وصولاً إلى 1,69 هدف فقط حتى الآن هذا الموسم، وهو المعدّل الأدنى منذ موسم 2008-2009.
في كانون الأول 2024، وبينما كان الجدل يدور حول ما إذا كان أرسنال أصبح يعتمد بشكل مفرط على الأهداف من الكرات الثابتة، كرّم مشجّعوه مدرب الكرات الثابتة نيكولا جوفر، عبر جدارية في نفق «هورنسي رود» المجاور لملعب «الإمارات»، كُتِب عليها شعارهم المحبوب: «كرة ثابتة أخرى، أولي أولي». لكن حتى لو أعيد إحياء الحماس الذي لاحظه مورينيو قبل عقدَين للركلات الركنية، فهل هذه فعلاً هي كرة القدم التي يرغب الناس في مشاهدتها؟
إنّها مسألة ذَوق. لكنّ رأيي الشخصي هو أنّ الدوري الممتاز في السنوات الأخيرة، بلعبه عالي الإيقاع والمخاطرة وغزارة الأهداف، كان أكثر إثارة ومتعة بكثير ممّا يَدّعيه أنصار فكرة أنّ «غوارديولا قتل اللعبة»، وكان بجودة اللعب أكثر إمتاعاً بكثير من الحقبة الأسطورية المزعومة للعقد الأول من الألفية والعقد الذي تلاه.
تناول أحد المقالات العام الماضي هذه المقارنة بين الدوري الممتاز «الرومانسي» والعصر الحديث. هناك أشياء أفتقدها من تلك الفترة، لكنّ جاذبيّتها «السينمائية» كانت تتعلّق أكثر بالنجوم الكبار، الشخصيات الصاخبة، والانفجارات العاطفية (على أرض الملعب، في المؤتمرات الصحافية للمدربين، وغالباً في أنفاق الملاعب) أكثر من جودة كرة القدم نفسها.
وأي شخص يزعم أنّ فرق مانشستر سيتي، التي فازت بألقاب الدوري تحت قيادة غوارديولا، كانت مملة، يجب أن يُجبر على مشاهدة 90 دقيقة من مباراة بين تشلسي لمورينيو وليفربول لرافاييل بينيتيز في منتصف الألفينيات، ثم يعود ليخبرنا رأيه.

هل العودة إلى الأسلوب السابق مملة؟
من أصل 16 مواجهة بين الفريقَين في جميع المسابقات بين آب 2004 وآب 2007، شهدت 10 مباريات منها هدفاً واحداً أو أقل. سلسلة التعادلات بين تشلسي وليفربول في دوري أبطال أوروبا (0-0، 0-1، 0-0، 0-0، 0-0، 1-1) دفعت لاعب ومدرب ريال مدريد السابق، خورخي فالدانو، أحد أكثر الرومانسيِّين في تاريخ اللعبة، إلى تشبيه المشهد بـ«القاذورات المعلّقة على عصا. شديدة الحدّة، جماعية جداً، تكتيكية جداً، بدنية جداً، ومباشرة جداً». وهذا الوصف يبدو مقلقاً، لأنّه يشبه الاتجاه الذي يَسير نحوه الدوري الممتاز اليوم. نحن لا نتحدّث عن عودة كاملة إلى أسلوب العقد الأول من الألفية، لكنّنا نرى بلا شك نوعاً من كرة القدم أكثر استراتيجية، أقل انفتاحاً، أقل إبداعاً، وأكثر مباشرة، مع عدد أقل بكثير من الأهداف، واعتماد أكبر على الركنيات والركلات الحرّة والرميات الطويلة.
سيجد البعض في ذلك ما يُرحِّب به؛ فهناك مَن يرى أنّ محاولات تقليد أسلوب غوارديولا (اللعب من الخلف أمام خصوم يضغطون بقوة لإجبار الفرق على الأخطاء) جعلت بعض المدربين يقودون فرقهم كـ«خراف إلى المذبحة».
لكن هل كرة القدم التي نراها هذا الموسم أفضل؟ هل هي أكثر إمتاعاً؟ قبل موسمَين فقط، شهدنا 11 مباراة فقط انتهت بالتعادل السلبي من أصل 380 مباراة. أما هذا الموسم، فقد شهدنا 6 تعادلات سلبية بالفعل، ما يعني أنّ الرقم القياسي لموسم 2023-2024 سيتجاوز بسهولة قبل نهاية شهر تشرين الثاني.
وعلاوةً على ذلك، نحن نشهد كرة أقل لعباً فعلياً. قبل موسمَين بلغ متوسط وقت اللعب الفعلي في المباراة الواحدة 58 دقيقة و11 ثانية. الموسم الماضي انخفض إلى 56 دقيقة و59 ثانية. أمّا هذا الموسم، فعلى رغم من الحملة المكثفة المعلنة ضدّ إضاعة الوقت من قِبل حراس المرمى، فلا يتجاوز المتوسط حتى الآن 55 دقيقة فقط.
ومع كمّية الوقت المضاف من قِبل الحكام، بلغ متوسط مدة مباريات الدوري الممتاز 100 دقيقة و35 ثانية. لكنّ زيادة طول المباريات لم تعنِ زيادة وقت اللعب الفعلي. في المتوسط، يُفقد 45 دقيقة و35 ثانية من كل مباراة بسبب التوقفات.
هذا يُثير تساؤلات حول دقة الحُكّام في إدارة الوقت، وعن جدوى الحملة المعلنة ضدّ إضاعة الوقت من قِبل حراس المرمى، حين يُفقد هذا القدر الهائل من الوقت بسبب التوقفات الأخرى. لكنّ أكثر من ذلك، تُطرح تساؤلات حول الطابع المتقطّع للعديد من المباريات، وما إذا تُفقَد الانسيابية والإثارة نتيجة لذلك؟

التوقفات سبب المشكلة وليس الأسلوب
هل أنتم مستمتعون؟ أحياناً نعم، عندما تنشب مباراة بين كل هذه التوقفات. لكن هل سأكون وحدي إذا قلتُ إنّ عدداً مقلقاً من المباريات كانت مشاهدة صعبة؟
كان الوضع كذلك في العقد الأول من الألفية وبداية العقد الثاني من 2010 أيضاً، حتى بدأ تأثير غوارديولا ينتشر. يمكن أن تكون كرة القدم الإنكليزية في العقد الأول من الألفية درامية ومتفجّرة، لكن ما تغفله الرومانسية حول تلك الحقبة هو عدد المباريات الجافة والخاملة، التي غالباً ما حُسِمَت بهدف من كرة ثابتة.
دائماً ما كان هناك احتمال أن تعود أنماط اللعب الأكثر صرامة، المبنية على الكرات الثابتة والرميات الطويلة، إلى الواجهة. وكلّما بُنِيَت الاستراتيجيات على الركنيات، الرميات الطويلة، والكرات الثابتة، بدلاً من اللعب المفتوح، كلّما كانت اللعبة أقل متعة وإثارة.
أولئك الذين يتهمون غوارديولا بسلب المتعة والإبداع من اللعبة، عليهم أن يكونوا حذرين في ما يتمنّونه.

الأكثر قراءة