يرى مرجع روحي مسيحي، أنّه قد آن الأوان للأفرقاء المسيحيين، وخصوصاً الموارنة، أنّ أحداً منهم لا يستطيع أن يلغي آخر ويحذفه من المشهد السياسي. في الأمس كان «التيار الوطني الحر» هو الكتلة النيابية الأكبر لدورتين، ثم انتقل الثقل إلى «القوات اللبنانية» التي حازت على كتلة كبيرة ذات ثقل وازن، فيما كان لكل من «الكتائب»، «الطاشناق»، «المردة» و»تيار الاستقلال» حصة قد تكون على قدر توقعاتهم وقد لا تكون.
واليوم، وفيما لبنان على عتبة انتخابات نيابية في أيار 2026، يستعد كل طرف ويُعدّ للمعركة ما استطاع من أسباب النجاح على المستوى المالي والإعلامي. وقد بدأ كل من رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل تحركات مكثفة لاستنهاض قواعد الحزب والتيار، وإطلاق صافرة البدء بالعمل على إجراء مسح للتحولات داخل القواعد، في ضوء ما توافر لـ»ماكينتيهما» من معطيات. وقد سبق للحزب والتيار، بعدما طُويت صفحة «القانون الارثوذكسي»، أن ذهبا في اتجاه النسبية على قاعدة الصوت التفضيلي الذي عكس التمثيل المسيحي بصورة افضل، ما أفرز مشهداً مماثلاً لمرحلة 1968-1972، عندما تقاسم الحلف الثلاثي: الكتائب اللبنانية، الوطنيون الاحرار، الكتلة الوطنية، الشارع المسيحي، مع فارق واضح بين الأمس واليوم.
في الأمس، أي في برلمان 1972 الذي امتد إلى العام 1992، كان عدد النواب المسيحيين المستقلين، سواء في جبل لبنان أو المناطق الاخرى، أكبر من عددهم في برلماني 2018، 2022، ولن يختلف الأمر كثيراً في برلمان 2026. هناك تباين في وجهات النظر بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» حول موضوع انتخاب المنتشرين والآلية المتبعة لذلك، وهذا الموضوع خلافي بامتياز بين طرفين، هما كانا وراء هذا القانون. وبحسب المرجع الروحي عينه ، فأياً تكن نتيجة الانتخابات، يجب العمل على تنظيم إطار غير جبهوي ذي طابع تشاوري أقرب إلى البرلمان، من دون أن يكون برلماناً تتمثل فيه جميع القوى المسيحية، للبحث في القضايا المصيرية المطروحة، لأنّ التطورات الدولية والإقليمية وانعكاساتها على لبنان في ضوء التحولات الديموغرافية الحاصلة فيه، تحتّم وجود رؤية مشتركة، ولو على المسلّمات- الأساس. جعجع يعتقد أنّ الحديث عن المصالحة المسيحية، هو طرح رومانسي أو توفيقي على طريقة «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم» بأسلوب ابو ملحم. مؤكّداً أنّ الخلاف في الوسط المسيحي هو خلاف سياسي حول برنامج، وطرح، وليس في الأمر تباعد على أساس شخصي. إنّه خلاف حول الخيارات. وعندما تتقارب هذه الخيارات وتندمج، فلا يعود للحديث عن الخلاف ووحدة الصف والموقف من معنى. من جهته، باسيل يرى أنّ الخلاف ليس شخصياً، إنما هو خلاف حول رؤية ووسيلة ومقاربة تتصل بمواضيع أساسية ومصيرية. ولكن يمكن التحاور في شأنها وتقريب المسافات ومحاولة الوصول إلى عناوين جامعة.
المرجع الروحي المسيحي يضيف، إنّه على رغم من الخلاف الواسع بين الأفرقاء لا بدّ من وجود مساحة مشتركة، وأرضية لقاء، ولهذا الأمر آليات يجب أن تُتبع من مثل:
1- احترام التعددية والتنوع داخل المجتمع المسيحي.
2- الحق في الاختلاف بين قوى هذا المجتمع.
3- عدم الاحتكام إلى العنف لحل الخلافات بين الأطراف المسيحيين.
4- تظهير التباينات السياسية وسواها في الإعلام ليس مسوغاً لحروب إعلامية متبادلة بغرض الإعدام المعنوي.
لا يملك المسيحيون ترف المضي في حروب إلغائية بعضهم ضدّ بعض، لأنّ التطورات الدائمة لا تقل خطراً عن تلك التي كانت قائمة في العام 1975، والعام 1983، والعام 1990. وقد بينت التجارب أنّ صداماتهم جرّت عليهم ما جرّت من نتائج كارثية. حتى الساعة كل المؤشرات تدلّ إلى أنّ الانتخابات ستُجرى في مواعيدها. فهل تكون حافزاً للمسيحيين على أن ينتقلوا من نتائجها لبناء قاعدة تفاهم - بأي حدّ- من دون النظر إلى غالب أو مغلوب؟