كشف العرض المليء بالأعطال الذي قدّمه مارك زوكربيرغ عن النظّارات المحوسبة، عن شركة قد تكافح للوفاء بوعودها بشأن مستقبل الحَوسبة.
في مؤتمر مطوّري البرمجيات لشركة «ميتا» في مينلو بارك بولاية كاليفورنيا الأسبوع الماضي، صعد مارك زوكربيرغ إلى المسرح لاستعراض جهاز جديد: نظّارة مزوّدة بكاميرات وشاشة صغيرة تُعرَض في زاوية الإطار.
كان العرض مشابهاً في طموحه لإطلاق منتجات «ماك» و«آيفون» و«آيباد»، عندما كان ستيف جوبز يقود شركة «آبل». عرض زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لـ«ميتا»، رؤيته حول كيف ستصبح النظّارات المُحَوسبة مستقبل الحَوسبة الشخصية.
كان يفترض أن تُظهر النظّارة الجديدة، Meta Ray-Ban Display، البالغ ثمنها 800 دولار، وتشغّل تطبيقات مشابهة لتلك الموجودة على الهواتف الذكية، أنّ «ميتا» تتفوّق بسنوات ضوئية على منافسيها. لكنّها فشلت في أول عرض علني لها. ثم فشلت مرّةً أخرى.
على عكس اللحظات الكبرى التي أشرف عليها جوبز لسنوات كعرّاب لعروض منتجات «آبل»، أثار زوكربيرغ المزيد من السخرية أكثر من التصفيق. تحوّل إلى مادة للسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، وسخرت مواقع الأخبار التقنية من أدائه المليء بالأعطال.
الإخفاقات التقنية للمنتج، بما في ذلك فشل مكالمة فيديو على المسرح، مثّلت عملياً تفكيكاً للصورة التي صاغها فريق التسويق في «ميتا» بعناية لزوكربيرغ خلال السنوات الأخيرة. في مقابلات صحافية ظهر فيها كبار مسؤولي «ميتا» ونظّاراتها، إلى جانب مقاطع مصوّرة على الإنترنت نشرها مؤثرون وهم يستعرضون المنتج، بدا وكأنّهم على وشك إطلاق شيء كبير بما يكفي لانتزاع الزعامة من عمالقة الصناعة مثل «آبل» و»سامسونغ»، لتصبح القائد المقبل في أجهزة الحوسبة.
لكن واقعياً، الأمر بعيد جداً. فالنظّارات الذكية للشركة لا تزال منتجاً محدود الانتشار. اعتباراً من شباط، باعت «ميتا» نحو مليونَي وحدة من نظّاراتها المزوّدة بكاميرا منذ إطلاقها عام 2023، وتأمل في بيع 10 ملايين وحدة سنوياً بحلول نهاية 2026، وهو رقم ضئيل جداً لشركة بهذا الحجم.
خلال العقد الماضي، أنفقت «ميتا» أكثر من 100 مليار دولار على قسم الواقع الافتراضي والمعزّز، الذي يشمل نظّاراتها الذكية، وهو قسم غير مربح. ففي الربع الأخير، سجّل القسم خسارة قدرها 4,5 مليارات دولار أسوةً بالعام الماضي.
للمقارنة، تبيع «آبل» مئات الملايين من هواتف «آيفون» وعشرات الملايين من الساعات الذكية كل عام. وشحنت «آبل» عدداً أقل بكثير من سماعاتها Vision Pro (بضع مئات الآلاف حتى الآن وفقاً للتقديرات) مقارنةً بـ«ميتا» التي باعت عشرات الملايين من سمّاعات Quest.
وإذا ما أصبحت النظّارات الذكية شائعة في النهاية، فقد يأتي المنتج من علامة تجارية ذات سمعة أفضل لدى المستهلكين، مثل «غوغل»، التي كشفت هذا العام عن نموذج أولي لنظّاراتها الذكية المدعومة بروبوتها الذكي Gemini، أو «آبل»، التي يُقال إنّها تطوّر أجهزة مشابهة.
يؤكّد المحللون أنّ Meta Ray-Ban Display سيبقى منتجاً محدود المبيعات في المستقبل المنظور بسبب سعره المرتفع، وعدم اليقين بشأن ما إذا كان الناس سيرغبون فعلاً في وجود شاشة أمام أعينهم أثناء تنقلهم.
مع ذلك، يبدو أنّ «ميتا» تُحرز تقدّماً في معالجة بعض أبرز مشاكل الحواسيب القابلة للارتداء على الوجه. فبعكس Google Glass وأجهزة أخرى ضخمة ومنفّرة، كانت نظّارة Meta Ray-Ban Display مريحة وتشبه النظّارات العادية. عمر البطارية، المقدّر بـ6 ساعات، قد يكون كافياً لمساعدة شخص في اجتياز يوم مزدحم.
أوضح أليكس هيميل، المدير التنفيذي المسؤول عن الواقع المعزّز في «ميتا»، أنّ الشركة صمَّمت المنتج ليكون أكثر استخداماً من خلال الاستفادة من كل شبر في النظّارة لتركيب المكوّنات. كما برمجت الشاشة لتُطفأ سريعاً بعد توقف المستخدم عن التفاعل معها لتوفير الطاقة.
لكنّ تجربتنا لمدة 30 دقيقة مع Meta Ray-Ban Display، التي طُرَحت في المتاجر في 30 أيلول، كانت متقطّعة مثل عرض زوكربيرغ، وفشل السوار المرفق بالنظّارات، الذي يكتشف إيماءات اليَد للتحكّم بالتطبيقات على الشاشة، أحياناً في تسجيل تمريرات الأصابع. وألقى المتحدّثون باسم «ميتا» باللَوم على شبكات «واي فاي» المزدحمة.
حتى وإن أثبتت النظّارات أنّها جيدة عند وصولها إلى المتاجر، فإنّ «ميتا» لم تُصلِح بعد مشكلة أعمق في علامتها التجارية: انعدام الثقة المستمر بين الشركة وزبائنها بسبب سوء تعاملها مع بيانات الناس.
النظّارات المزوّدة بكاميرات، التي تحمل أبعاداً متعلقة بالمراقبة والخصوصية، قد تُفاقم تحدّيات «ميتا»، لأنّ هذه المنتجات تُسجّل بشكل غير مباشر ما يراه أو يسمعه مرتدوها. وتُصدِر ضوءاً صغيراً للإشارة إلى أنّ التسجيل جارٍ، لكنّه قد يكون صعب الملاحظة. ومع انتشار هذه النظّارات، ستتزايد المخاوف بشأن الخصوصية، بحسب كارولينا ميلانيسي، محلّلة التكنولوجيا الاستهلاكية في شركة الأبحاث Creative Strategies.
على «إنستغرام» و»تيك توك»، واجه بعض المؤثرين انتقادات لاستخدامهم النظّارات لتصوير مقاطع فيديو خفية من دون موافقة الأشخاص الظاهرين فيها.
كما تصدّرت نظّارات «ميتا راي-بان» العناوين، عندما أفاد مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنّ الرجل الذي قاد شاحنة واندفع بها إلى شارع مزدحم في نيو أورلينز، كان قد ارتدى هذه النظّارات المزوّدة بكاميرا، لاستطلاع المنطقة قبل أسابيع من الهجوم.
وأوضحت ميلانيسي: «المشكلة لا تتعلّق فقط بخصوصية الأشخاص الذين يشاركون بياناتهم، بل بخصوصية كل مَن حولهم ممَّن قد لا يعلمون أصلاً أنّهم يُصوَّرون. والناس لا يثقون بميتا».
كل هذا قد لا يهمّ «ميتا»، لأنّها قادرة على الاستمرار في المحاولة حتى تُتقن الأمر. فبفضل أعمالها في الإعلانات عبر الإنترنت، حققت الشركة أرباحاً قدرها 18,3 مليار دولار في ربعها الأخير، على رغم من إنفاقها مليارات على شغف زوكربيرغ الآخر، الذي لم يحقق الكثير من المال بعد الذكاء الاصطناعي.