ما الذي تريده روسيا من سوريا الجديدة؟
د. خالد العزّي
Wednesday, 24-Sep-2025 05:10

منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، لعبت روسيا دوراً محوَرياً في المشهد السوري، إذ كانت الداعم الأبرز لنظام بشار الأسد، سياسياً وعسكرياً. وتدخّلت موسكو عسكرياً عام 2015، وأسهمت بشكل حاسم في بقاء النظام، وإجهاض كثير من المبادرات الدولية لتغييره أو إصلاحه.

لكن مع تصاعد الحديث أخيراً عن تسويات سياسية محتملة ومرحلة انتقالية قد تفتح الباب أمام شكل جديد من الحكم، يبرز تساؤل: ما الذي تُريده روسيا فعلاً من سوريا المستقبل؟ وهل تسعى إلى تثبيت نظام جديد، أم فقط لضمان مصالحها القديمة بواجهة جديدة؟

 

العدالة الإنتقالية... الخط الأحمر الروسي

 

من أبرز القضايا التي تكشف ملامح الموقف الروسي هي العدالة الانتقالية. روسيا، بصفتها شريكاً مباشراً في العمليات العسكرية التي ارتُكبت خلالها انتهاكات واسعة، لم تُبدِ أي استعداد للإعتراف بمسؤولياتها، أو حتى لمجرّد مناقشة فكرة المحاسبة.

 

بل يُعتقد أنّ موسكو تشترط صراحة عدم فتح ملف الجرائم كشرط أساسي لأي اتفاق سياسي قادم، خصوصاً إذا تضمّن حكومة انتقالية أو دستوراً جديداً. وهذا يضع القيادة السورية المستقبلية أمام اختبار حقيقي: هل يمكنها تبنّي مسار عدالة وطنية مستقلاً، من دون الاصطدام بالمصالح الروسية؟

 

هل تنقلب روسيا على الأسد؟

 

وسط هذا المشهد الغامض، ظهرت أخّيراً مؤشرات على تفاهمات غير معلنة بين روسيا وبعض الأطراف السورية والدولية، قد تتضمّن إعادة ترتيب السلطة، أو حتى إضعاف سلطة الأسد لصالح أطراف أكثر «قبولاً دولياً».

 

وتدفع هذه المؤشرات إلى طرح سؤال حساس: هل يمكن أن تتخلّى روسيا عن الأسد؟ وهل نحن أمام استراتيجية روسية جديدة تُعيد تمَوضعها داخل سوريا عبر وكلاء جدد؟ أم أنّها مجرّد مناورات سياسية لإعادة إنتاج النظام بصيغة «معدّلة» تحافظ على المصالح من دون تغيير فعلي؟

 

العلاقة بين موسكو ودمشق... تابع ومتبوع؟

 

على رغم من محاولات الإعلام الرسمي تصوير العلاقة بين موسكو ودمشق على أنّها «ندّية»، إلّا أنّ الواقع يعكس علاقة أقرب إلى الراعي والتابع. فروسيا تُسَيطر على قواعد عسكرية استراتيجية، وتملك نفوذاً كبيراً في مفاصل الاقتصاد والأمن السوري.

 

فهل تمتلك أي حكومة سورية جديدة القدرة على إعادة صياغة العلاقة؟ وهل يمكن لشخصيات كفاروق الشرع أو غيره من المقبولين دولياً، أن يفرضوا نموذجاً جديداً من السيادة المتوازنة؟ أم أنّ المطلوب فقط استبدال الواجهة من دون المساس بجوهر التبعية؟

 

في ظل التحوّلات الإقليمية والدولية، وانفتاح بعض العواصم الغربية على فكرة إعادة التواصل مع دمشق، يبرز سؤال استراتيجي: هل لا تزال، فإذا كانت هناك بوادر تطبيع مع الغرب، ولماذا الإبقاء على شراكة يُنظر إليها على أنّها «استغلالية»؟ هل تستطيع سوريا مستقبلاً تنويع تحالفاتها والخروج من محور واحد؟ أم أنّ الواقع الجيوسياسي والعسكري سيُبقي البلاد رهينة لموازين القوى الحالية، خصوصاً إذا استمرّت موسكو في فرض نفوذها؟

 

المحكمة الجنائية الدولية... هل تُسلِّم روسيا الأسد؟

 

أحد السيناريوهات المطروحة هو إمكانية تسليم بشار الأسد للمحكمة الجنائية الدولية. لكن هذا الطرح يصطدم بالواقع. فحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه مطلوب دولياً من المحكمة عينها، ولم تُبدِ روسيا أي نية للتعاون.

 

تاريخياً، لا تُسلّم القوى الكبرى عملاءها. وسوابق مثل إدوارد سنودن في روسيا، أو جوليان أسانج في بريطانيا، تُثبت أنّ فكرة «العدالة الدولية» تصطدم دائماً بالمصالح السياسية. وعليه، فإنّ الحديث عن تسليم الأسد يبدو أقرب إلى خطاب دعائي لتخفيف الضغط الشعبي، وليس خياراً مطروحاً.

 

سوريا كساحة صراع دولي... مَن يملك القرار؟

 

السؤال الأهم: مَن يملك القرار في سوريا اليوم؟ وهل تستطيع أي حكومة جديدة تنظيم التعدّدية الدولية داخل البلاد لصالحها، بدلاً من أن تكون ساحة لصراعات بين روسيا وإيران من جهة، والغرب وتركيا من جهة أخرى؟

 

الأرض السورية لا تزال متنازعاً عليها، والنفوذ موزع بين قوى متضادة. إيران، مثلاً، تسعى إلى تثبيت حضورها عبر مشاريع اقتصادية وعقائدية، فيما لم تدخل الاستثمارات الغربية بعد، لغياب الشريك المحلي المقبول دولياً.

 

هنا يبرز التحدّي: هل ستنجح القيادة المقبلة في تحييد الصراع الدولي وبناء نموذج سيادي؟ أم ستبقى البلاد عالقة في لعبة أمم لا تملك فيها قرارها؟

 

إذاً، ماذا تريد روسيا فعلاً؟ فمطالب روسيا من سوريا يمكن تلخيصها في التالي:

- الحفاظ على قواعدها العسكرية ومواقع نفوذها الاستراتيجي.

- ضمان مصالحها الاقتصادية في الموانئ والغاز والتبادل التجاري.

- منع أي مسار للعدالة الانتقالية.

- تحجيم النفوذ الغربي، أو موازنته.

 

بمعنى آخر، روسيا لا تسعى إلى تغيير سياسي حقيقي، بل إلى ضمان لمصالحها، بغضّ النظر عن الأسماء أو الشعارات.

 

سوريا اليوم أمام مفترق طرق. فإمّا أن تبقى رهينة لتوازنات خارجية لا تملك القرار فيها، أو ينجح السوريّون - في الداخل والخارج - في فرض معادلة جديدة تُعيد إلى البلاد سيادتها وكرامتها.

 

السؤال ما زال مفتوحاً، والإجابات رهن بما ستشهده المرحلة المقبلة من إرادة حقيقية، لا لتغيير النظام فحسب، بل لتغيير قواعد اللعبة.

الأكثر قراءة