حملة بحث عن الجواسيس.. إيران تُعدم عالِماً نووياً!
فرناز فصيحي- نيويورك تايمز
Friday, 08-Aug-2025 07:05

بعد الحرب مع إسرائيل، شنّت السلطات الإيرانية حملة اعتقالات طالت مئات الأشخاص المشتبه في كونهم جواسيس. غير أنّ توقيف العالِم النووي روزبه فادي وإعدامه شنقاً يُعدّ خطوة نادرة.

أقدمت إيران، أول أمس الأربعاء، على إعدام أحد علمائها النوويِّين، بتُهمة التجسس لصالح إسرائيل وتسهيل عملية اغتيال عالم نووي آخر خلال الحرب بين البلدَين في حزيران، بحسب ما أفاد به الموقع الإخباري التابع للسلطة القضائية الإيرانية «ميزان».

 

وذكرت السلطة القضائية أنّ العالِم، روزبه فادي، كان يعمل في أحد أكثر المواقع النووية حساسيةً وأهمية في البلاد، وأنّه كان يمتلك حقّ الوصول إلى نوع المعلومات السرّية التي يسعى «أعداء إيران» للحصول عليها. وأُعدِم فادي شنقاً بعدما أُدين بالتجسس وتقديم معلومات لإسرائيل، بحسب ما أعلنت السلطة القضائية.

 

وجاء الإعدام في أعقاب حرب استمرّت 12 يوماً في حزيران، خاضتها إيران ضدّ كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وأسفرت عن اغتيال إسرائيل لما لا يقل عن 30 قائداً عسكرياً إيرانياً رفيع المستوى و11 عالِماً نووياً.

 

وأقرّت السلطات الإيرانية علناً أنّ التغلغل الواسع الذي حققته إسرائيل في أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية، هو ما مكّنها من تصفية أجزاء محوَرية من القيادة العسكرية الإيرانية في الليلة الأولى من الحرب، وساعدها في شنّ هجمات بطائرات مسيّرة من داخل الأراضي الإيرانية. ومنذ انتهاء الحرب، حمّلت السلطات الإسرائيلية مسؤولية سلسلة انفجارات وحرائق اندلعت في مختلف أنحاء البلاد.

 

وعلى رغم من أنّ البلدَين يخوضان حرباً سرّية منذ وقت طويل، فإنّ دقة المعلومات التي حصلت عليها إسرائيل، وقدرتها على تنفيذ هجمات داخل الأراضي الإيرانية أثارتا قلقاً بالغاً لدى المسؤولين الإيرانيِّين.

 

ومنذ نهاية الحرب، شنّت السلطات حملة اعتقالات طالت المئات، من بينهم ناشطون ومعارضون، بتُهَم تتعلق بالتجسّس وتهديد الأمن القومي، وفقاً لتقارير وسائل إعلام إيرانية ومنظمات حقوقية.

 

لكنّ اعتقال وإعدام عالم نووي يُعدّ أمراً نادراً للغاية في دولة تعتبر برنامجها النووي المحلي مصدر فخر وطني، ويُنظر إلى العلماء النوويِّين فيها على أنّهم أبطال. كما أنّ الخطوة تُعدّ اعترافاً مُحرِجاً بمدى تغلغل جهاز الموساد، جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي، في الداخل الإيراني.

 

وأعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية، الأسبوع الماضي، أنّها ألقت القبض على 20 جاسوساً وعميلاً مرتبطين بإسرائيل. وبحسب منظمات حقوقية، نفّذت إيران منذ بدء الحرب في حزيران حُكم الإعدام بحق 10 أشخاص، من بينهم فادي، بتُهَم التجسّس لصالح إسرائيل.

 

ولم يصدر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - المشرف على جهاز الموساد - أي تعليق بشأن إعدام فادي أو الاتهامات الموجّهة له بالارتباط بإسرائيل. كما لم يصدر أي ردّ فوري من عائلة فادي أو من ممثل قانوني عنه. وحتى إعلان السلطة القضائية عن تنفيذ الإعدام، لم تكن إيران قد كشفت عن توقيفه.

 

وأكّد غلام حسين محسني إيجئي، رئيس السلطة القضائية الإيرانية، أنّ البلاد ستتعامل بقوة مع الجواسيس، وستسرّع إجراءات المحاكمة للموقوفين حديثاً، وفقاً لما أوردته وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية.

 

وأضاف محسني إيجئي: «يجب أن نُحدّد الجواسيس، لكنّ التعرّف إليهم ليس بالأمر السهل، لا يمكننا العثور عليهم في الشوارع، على جهازنا الاستخباراتي أن يتولّى مهمّة رصدهم وتوقيفهم. لكن يجب أن يتمّ ذلك وفقاً لإجراءات قضائية عادلة ومنصفة».

 

واتهمت منظمات حقوق الإنسان إيران بانتهاك حقوق مواطنيها وتنفيذ إعدامات تعسفية، وأعربت عن قلقها من أن يكون القمع الواسع منذ حرب حزيران أداةً لقمع المعارضة. وتُعرَف الإجراءات القضائية في قضايا التجسّس في إيران بأنّها غامضة، إذ تُجرى المحاكمات غالباً خلف أبواب مغلقة أمام المحكمة الثورية.

 

وسبق لإيران أن نفّذت حُكم الإعدام في حالتَين بارزتَين على الأقل تتعلقان بالتجسّس لصالح الولايات المتحدة وبريطانيا. ففي عام 2016، أعدمت إيران العالِم النووي شهرام أميري بتهمة الخيانة، بعدما فرّ إلى الولايات المتحدة ثم عاد إلى إيران مدّعياً أنّه خُطِف من قِبل أجهزة الاستخبارات الأميركية أثناء أدائه الحج في السعودية.

 

في عام 2023، أعدمت إيران علي رضا أكبري، النائب السابق لوزير الدفاع، بعدما أدانته بالتجسّس لصالح جهاز الاستخبارات البريطاني على مدى 15 عاماً، وكشفه أسراراً نووية حساسة للغرب، بما في ذلك موقع المنشأة النووية السرية «فوردو» التي قصفها الجيش الأميركي في حزيران.

 

وقد عرضت السلطة القضائية الإيرانية تفاصيل الاتهامات ضدّ فادي عبر موقعها الإلكتروني، الذي يُستخدم كمنصة رسمية للتواصل مع الجمهور. وأفادت بأنّ الموساد جنّد فادي عبر الإنترنت، التقى عملاءه 5 مرّات في النمسا، وكان يُرسل لهم تقارير أسبوعية عن الأنشطة في الموقع النووي الذي يعمل فيه. وأضاف التقرير أنّ إسرائيل دفعَت له مبالغ بالعملة المشفّرة، من دون تحديد القيمة.

 

كما بثّ التلفزيون الرسمي الإيراني، يوم الأربعاء، تسجيلاً مصوّراً يتضمّن «اعترافاً» من فادي بالتُهَم الموجّهة إليه. وقد اتهمت منظمات حقوق الإنسان إيران بإجبار المحتجزين على تسجيل اعترافاتهم تحت الإكراه.

 

وأفادت رابطة خريجي جامعة أمير كبير، وهي من أبرز الجامعات في مجالي العلوم والهندسة، في بيان، أنّ فادي حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة النووية مع تركيز على المفاعلات، وكان يعمل باحثاً في «معهد البحوث العلمية النووية» التابع لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية.

 

كما أعدمت إيران، في اليوم نفسه، شخصاً ثانياً يُدعى مهدي أصغر زاده، عرّفته السلطة القضائية بأنّه عضو في تنظيم الدولة الإسلامية، تلقّى تدريبات في العراق وسوريا، ودخل إيران لتنفيذ هجمات إرهابية.

الأكثر قراءة