وداعاً نونيز... أراد جمهورٌ أن يراه ينجح
Friday, 08-Aug-2025 06:52

أهداف مهدرة وأخرى رائعة. بعد 3 سنوات من القتال بقميص ليفربول بنجاحات متفاوتة، لا يغادر الأوروغوياني داروين نونيز (26 عاماً) ملعب «أنفيلد» فحسب، بل يغادر الساحة الأوروبية بالكامل، ليخضع إلى فحص طبي في الهلال السعودي، بعد أن توصّل الناديان إلى اتفاق بقيمة 53 مليون يورو، بالإضافة إلى مكافآت إضافية.

سيغادر نونيز في منتصف السنوات التي غالباً ما تُعدّ ذروة أداء المهاجمين، بعدما سجّل 40 هدفاً وقدّم 23 تمريرة حاسمة في 143 مباراة مع ليفربول.

 

كانت مشاهدته ممتعة للغاية، لكن ليس دائماً لجماهير ليفربول فقط. غالباً كان الأمر يبدأ بمحاولة وتسديدة فاشلة، ثم تأتي الهتافات: «آندي كارول الرديء، أنت مجرّد آندي كارول رديء!».

 

معاناة الأوروغوياني مع حاجز اللغة في بداية مسيرته مع ليفربول موثقة جيداً، لكنّه بدا دائماً وكأنّه يفهم مغزى هذه الهتافات. سواء وُجِّهت إليه من المدرج الخاص بالجماهير الزائرة في «أنفيلد»، أو من المدرجات الـ4 عندما كان ليفربول يلعب خارج ملعبه، وبدا أنّ تلك الكلمات أثّرت فيه بعمق.

 

خلال مباراة موسمه الثاني في كأس الرابطة أمام بورنموث في تشرين الثاني 2023، دخل نونيز في الدقيقة 61، واستُقبل بأداء غنائي لتلك الأغنية تحديداً من جمهور المضيف. وبعد 9 دقائق، وفي مباراة كانت فيها أمطار العاصفة «سياران» تهبّ بشكل جانبي على ملعب «فيتالتي» الصغير، توغّل نونيز إلى داخل الملعب وسدّد كرة لولبية في الزاوية العليا للمرمى ليسجّل هدف الفوز الانتقامي.

 

لم يكن جمهور بورنموث الأول ولا الأخير الذي تعلّم أنّ السخرية من نونيز غالباً ما تحفّز أفضل ما لديه. فالإساءات كانت دائماً تمهيداً لأهداف الانتقام.

 

«نونيز! نونيز! نونيز!» كانت هتافات جمهور ليفربول رداً على ذلك. لم ينل نونيز نشيداً أطول من اسمه، لكنّه لم يكن بحاجة إليه. فقد صرخوا باسمه أول مرّة بتلك الطريقة عندما سجّل في مرمى مانشستر سيتي في درع المجتمع 2022-23. نشأت بين نونيز والجماهير، الذين يشيرون إليه وهم يصرخون باسمه، رابطة منذ اللحظة الأولى.

 

لكن لو لم يكن مشجّعو ليفربول يعرفون أنّ إرلينغ هالاند، الذي انضمّ إلى سيتي قادماً في الصيف نفسه، هو نوع مختلف من اللاعبين، فقد اكتشفوا ذلك بسرعة.

 

فعلى رغم من أنّ المواجهة المباشرة بينهما بدأت بتسجيل نونيز وإخفاق هالاند، فإنّ نونيز فَقدَ زمام المبادرة بمجرّد أن بدأت المقارنات بالنرويجي. منذ لحظة انضمامه من بنفيكا البرتغالي مقابل 85 مليون جنيه إسترليني، وحين كاد ليفربول فيه أن يظفر بجميع الألقاب، وُضع نونيز في مقارنة مباشرة مع هالاند.

 

عدم الثبات في أداء نونيز كان مرهِقاً للمشاهد، لكنّ ليفربول تمسّك دائماً بأمل لحظته السحرية القادمة. وعندما تأتي، بأي شكل من الأشكال، كانوا يعبدونها.

 

في يومه الكبير، كان المهاجم الذي سجّل بكعب قدمه ضدّ ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا. لكنّه أيضاً كان قادراً على القيام بانطلاقة قوية، تجاوز الحارس، ومواجهة مرمى خالٍ، ثم بطريقة ما يصطدم بالعارضة، كما فعل في الدوري الأوروبي أمام تولوز.

 

في تلك المباراة أنقذه زميله راين خرافنبرخ الذي تابع الكرة المرتدة وسجّل، لكنّ نونيز سقط على ركبتَيه واضعاً رأسه بين يدَيه. أدرك أنّه يحارب جيشاً من المتصيّدين على وسائل التواصل الاجتماعي ينتظرون السخرية منه. كان ذلك قاسياً، ودفعه إلى تجنّب وسائل التواصل تماماً. لكنّه كان مثابراً، وأظهر قدرة ملحوظة على النهوض من الكبوات.

 

بالنسبة إلى البعض، سيُذكر نونيز بسبب الفرص الضائعة الكبيرة، مثل تلك التي أهدرها ضدّ أياكس في دوري الأبطال خلال موسمه الأول، عندما ارتطمت تسديدته بالقائم من مسافة 5 ياردات، أو أمام لوتون تاون حين رفع الكرة من مسافة أقرب من ذلك فوق العارضة.

 

لطالما سُخر من شعار «هذا يعني أكثر» الذي استخدمه ليفربول، لكن عندما كان نونيز يسجّل، لم يكن ذلك يعني أكثر فقط، بل كان يعني كل شيء. كان كل مشجّع يُريد رؤيته يصل إلى القمة التي آمنوا بقدرته على بلوغها. وعندما كان يحتفل بشغف يكسر لوحات الإعلانات الجانبية، كانوا يشاركونه الاحتفال.

 

كان يُقبّل معصمه بعد كل هدف، تذكيراً بمواطنه وسلفه في هجوم ليفربول لويس سواريز، إذ كان يأمل أن يُكرِّر ما فعله سواريز، الذي سجّل 82 هدفاً في 133 مباراة خلال 3 سنوات ونصف.

 

بعد أسبوع من الفوز بدرع المجتمع، دخل كبديل في الدوري وسجّل هدفاً ثم مرّر كرة حاسمة لمحمد صلاح في تعادل 2-2 أمام فولهام. في الأسبوع التالي، قلّد سواريز لكن بالجانب السلبي، إذ فَقدَ أعصابه ونطح يواكيم أندرسن، مدافع كريستال بالاس، ما ترك ليفربول منقوصاً بهدف ولاعب في مباراة انتهت بالتعادل 1-1.

 

ربما تختصر هاتان المباراتان في الدوري شخصيّته بأكملها. في الموسم الماضي، جمع نونيز عدداً من البطاقات الصفراء (8) مساوياً لمساهماته التهديفية (5 أهداف، 3 تمريرات حاسمة) في 30 مباراة في الدوري. بدأ 8 مباريات منها فقط، كان آخرها أمام ساوثهامبتون في «أنفيلد» يوم 8 آذار.

 

مشاهدة نونيز كانت كأنّها رياضة داخل رياضة، وكان لا بدّ من التحلّي بالصبر، خصوصاً عند مشاهدته يحاول ضبط توقيت انطلاقته. فقط دومينيك كالفرت-لوين (70) من إيفرتون، رُفِعت راية التسلل ضدّه أكثر من نونيز (62) خلال المواسم الثلاثة الأخيرة في الدوري الممتاز.

 

في الواقع، سجّل (9) وصنع (9) مع ليفربول في الدقائق الـ15 الأخيرة من المباريات، أكثر مما فعل في أي فترة زمنية مماثلة أخرى. كان بمثابة رمية نرد لم يَعُد النادي قادراً على الاعتماد عليها. وككل العروض الجيدة، ترك نونيز جماهير ليفربول تطالب بالمزيد. لكن بالنسبة له، كان ذلك دائماً هو المشكلة.

الأكثر قراءة