الـAI وألعاب الفيديو: قفزة تقنية أم تهديد وجودي؟
Thursday, 31-Jul-2025 08:15

منذ بدايات الثمانينات، شكّل الذكاء الاصطناعي جزءاً من صناعة ألعاب الفيديو، إلّا أنّ ما نشهده اليوم يتجاوز بكثير مفاهيم الأشباح التي تطارد «باك-مان». فالتطوّرات الأخيرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي دفعت هذه الصناعة إلى مفترق طرق، فباتت تُطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الألعاب، دور المبدعين، وحتى طبيعة الشخصيات الافتراضية ذاتها.

قبل عامين، عرضت شركة أسترالية تُدعى Replica Studios تجربة رقمية مذهلة داخل لعبة مستوحاة من عالم «ذا ماتريكس». في هذه المحاكاة، يخبر لاعبٌ شخصياتٍ افتراضية بأنّها ليست حقيقية، بل مجرّد شيفرات داخل لعبة. وجاءت الردود على لسان تلك الشخصيات مدعومةً بالذكاء الاصطناعي، فظهرت مشوّشة، قلقة، بل حتى وجودية، إذ تساءلت إحدى الشخصيات: «هل أنا حقيقية أم لا؟».

 

هذه التجربة لم تكن مجرّد استعراض تقني، بل جرس إنذار لما يمكن أن يَعنيه دمج الذكاء الاصطناعي بشكل أعمق في تصميم الألعاب. فالمسألة لم تعُد محصورة في تحسين الرسوم أو تسريع الكتابة البرمجية، بل في إعادة تعريف العلاقة بين اللاعب، المطوّر، والعوالم الرقمية.

 

تحوّلات كبرى داخل الصناعة

 

في مؤتمر مطوّري الألعاب في سان فرانسيسكو هذا العام، بدا واضحاً أنّ الذكاء الاصطناعي لم يَعُد أداة مستقبلية، بل واقعاً راهناً. عرض مهندسو Google DeepMind برنامجاً قادراً على استبدال مختبري الألعاب البشر بعملاء ذاتيِّين يستطيعون اكتشاف الأعطال وتحليل التصميمات.

 

أمّا Microsoft، فقدّمت تقنية «اللعب التكيفي»، فيُحلِّل الذكاء الاصطناعي فيديو بسيطاً ليحوّله إلى تصميم مراحل وحركات قد تستغرق مئات الساعات لإنجازها يدوياً.

 

من جهتها، كشفت منصة Roblox عن نموذج Cube 3D، القادر على توليد عناصر وأماكن داخل اللعبة بمجرّد أوصاف نصية. هذه التقنيات مجتمعة تكشف عن اتجاه حاسم: تقليص الدور البشري مقابل تعزيز الذكاء الاصطناعي في مختلف مراحل الإنتاج.

 

لكن في ظل هذه الابتكارات، تمرّ الصناعة بأوقات عصيبة. فبعد سنوات من التوسّع، تعاني استوديوهات كبرى من تسريحات واسعة وتكاليف باهظة، نتيجة الضغط المتزايد لتقديم ألعاب فائقة الواقعية لا تحقق بالضرورة أرباحاً متوقعة. وقد اعتبر البعض أنّ التوجّه إلى الذكاء الاصطناعي أمل في تقليل التكاليف، بينما يراه آخرون مجرّد تسلية باهظة لا تعالج جذور الأزمة.

 

أزمة هوية داخل الشركات الكبرى

 

فيما تبقى شركات مثل Sony متكتمة بشأن استراتيجيتها في مجال الذكاء الاصطناعي، تؤكّد Microsoft أنّ صُنّاع الألعاب سيبقَون في صلب جهودها التكنولوجية، بينما تعلن Nintendo بوضوح رغبتها في السير «عكس التيار» بدلاً من الانجراف وراء الضجيج التقني.

 

ومع ذلك، فإنّ الاستطلاعات تُظهر أنّ غالبية الشركات بدأت بالفعل باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، خصوصاً لأداء مهام متكرّرة مثل توزيع العناصر داخل البيئات الافتراضية.

 

وعلى رغم من أنّ بعض المطوّرين يُرحّبون بهذا التوفير في الوقت، فإنّ القلق يتزايد من تهديد الذكاء الاصطناعي للوظائف التقليدية، خصوصاً في مجالَي الكتابة والتصميم.

 

ويشرح كايلان غيبس، مؤسس شركة Inworld AI المتخصّصة في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي، أنّ «هناك فجوة ضخمة بين العروض التجريبية والقدرة الإنتاجية الفعلية». ويُحذّر من أنّ تحديث البنية التحتية اللازمة لتشغيل هذه الأدوات قد يكلّف الاستوديوهات ملايين الدولارات، بل إنّ تشغيل بعض النماذج قد يتطلّب آلاف الدولارات في الساعة.

 

اختبارات الواقع... وفشل بعض الروّاد

 

تسبّبت الوتيرة السريعة للتطوّر حتى في إخراج شركات ناشئة من المشهد. فشركة Replica Studios، التي كانت رائدة في دمج الحوارات التفاعلية في الألعاب، أغلقت أبوابها هذا العام، بعدما باتت غير قادرة على منافسة عمالقة مثل OpenAI.

 

يتذكّر مديرها التقني، إوين مكارثي، أنّ المستخدمين كانوا يولّدون أكثر من 100,000 سطر من الحوارات يومياً، ما كلّف الشركة 1000 دولار يومياً للحفاظ على الخدمة. ويضيف أنّ تكاليف تشغيل هذه الشخصيات الذكية، خصوصاً إذا بدأت بالتفاعل مع بعضها، كانت مرهقة وغير قابلة للاستدامة.

 

حتى في لحظة إغلاق العرض التجريبي، عبّر اللاعبون عن قلقهم على «مصير» الشخصيات الافتراضية، متسائلين إن كانت ستستمر في «الحياة» أو «تموت». أجابهم مكارثي: «إنّها تجربة تقنية، هؤلاء ليسوا حقيقيِّين».

 

من البرمجة إلى المحاكاة البشرية

 

في تطوّر أكثر جرأة، بدأ باحثون من Google وStanford اختبار نماذج تحاكي السلوك البشري بالكامل. أطلقوا عليها اسم «الوكلاء التَوليديّون»، وهي شخصيات تستيقظ، تطهو، تعمل، ترسم، تكتب، تتحدّث، وتكوّن علاقات. بل إنّ بعضها نظّم احتفالاً بعيد الحُب داخل عالم مستوحى من لعبة The Sims.

 

يرى بعض الخبراء في هذه التجارب فرصة لتقليل الاعتماد على البشر في اختبارات اللعب، لكنّ آخرين يتساءلون: ما الجدوى من تكنولوجيا لا تفعل سوى تقليد البشر؟

 

تحذّر سيلفيا هودينت، المتخصّصة في علم الإدراك وتجربة المستخدم، من المَيل إلى اعتماد الذكاء الاصطناعي كحل شامل: «ربما علينا أن نبدأ بتحسين العمليات بدلاً من التوهم بأنّ الذكاء الاصطناعي هو المفتاح لكل شيء».

 

مستقبل مشوّش أخلاقياً

 

بعيداً من التعقيدات التقنية والتكاليف المالية، يبقى السؤال الأخلاقي حاسماً: هل نحن مستعدّون لعوالم افتراضية تتصمّم ذاتياً لشخصيات تملك ذاكرة ووعياً زائفاً؟ تحذّر جانسو جانكا، مديرة قسم الذكاء الاصطناعي المسؤول في جامعة نورث إيسترن، من المخاطر التي قد تمسّ خصوصيتنا وهويّتنا داخل بيئات رقمية يصعب التنبّؤ بسلوكها.

 

وتختم بالقول: «قلقي الأكبر ليس من أنّ الذكاء الاصطناعي سيكتسب وعياً، بل من تداعيات وجودنا نحن في عالم لا يمكن دائماً التحكّم في ما يحدث فيه».

الأكثر قراءة