من محاولة اغتيال فاشلة إلى انتصار سياسي وشعبي... هكذا يعود الياس المر في زمن غياب الدولة.
في 12 تموز 2005، فجّروه بسيارة مفخّخة، حاولوا اغتياله وإسكات صوته، فردّ بالتحدّي لا بالتراجع. عاد بصوتٍ أقوى، فأطلق جريدة «الجمهورية» منبراً لا يُطفأ، في الدفاع عن الحريات والدولة والشرعية بوجه الفوضى والانهيار...
استهدفوا نائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع الوطني الياس المر، ليُسقطوه جسدياً ويلغوه سياسياً.
لقد أرادوا اغتيال نموذج الدولة والسيادة - نموذج المسؤول الذي لا ينحني، الذي يؤمن بالدولة والجيش لا بالدويلة، وبقوة الحق لا بحق القوة، وبالمؤسسات لا بالمحاصصات. لكنّهم فشلوا، كما يفشل الطغاة دائماً في قهر الحرية والحقيقة. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف الياس المر عن أداء دوره الوطني، داخل الدولة وخارجها، واضعاً أمن اللبنانيِّين أولوية، ورافعاً اسم لبنان على منابر العالم عبر مؤسسة الإنتربول، شاهداً على أنّ الوطن لا يبنى بسفك الدماء وإسكات الأحرار.
ولأنّ إرادة الحياة أقوى من كل محاولات التصفية، بادر الياس المر بعد التفجير إلى تأسيس جريدة الجمهورية، منبراً حرّاً، سيادياً، وطنياً، يواجه الإغتيال السياسي بالحقيقة، والفراغ بالمسؤولية. لكنّهم لم يَيأسوا من محاولات النَيل منه. فرضوا عليه فيتو سياسي امتد لخمسة عشر عاماً، صامتين عن جريمة، ومجاهرين بالعداء. لكنّه لم يتنازل، ولم ينكسر.
واليوم، بعد عشرين عاماً على 12 تموز، يقلب الياس المر الطاولة مجدّداً على منظومة الفشل. فها هو ينتصر بالانتخابات البلدية في المتن، وفي رئاسة اتحاد بلديات المتن بنتيجة 22 صوتاً مقابل 11، على رغم من كل الضجيج، والحملات، والضغوط، والتسريبات. انتصار يُثبت مجدّداً أنّ الثقة الشعبية لا تُشترى، وأنّ أهل المتن يعرفون مَن خدمهم، ومَن بقيَ على العهد، ومَن بقيَ صادقاً مع الناس، ومع نفسه، في زمنٍ تبدّلت فيه المواقف، وتبدّدت فيه القِيَم.
اليوم، ونحن في قلب الانهيار اللبناني الكبير، نعود إلى 12 تموز لا من باب الحنين، بل من باب اليقظة.
لبنان اليوم لا يُفجّر بسيارة مفخّخة، بل يُفجّر بسلاح يشلّ الدولة، وإصلاح معلّق على مشانق الحسابات، بانهيار أخلاقي وسياسي ومؤسساتي، وارتكاب جريمة العصر في سرقة مدّخرات اللبنانيِّين وكراماتهم. يُفجّر باستمرار الفساد المنظّم، وبالوصايات المقنّعة والمكشوفة على حدّ سواء.
والسؤال البديهي: أين هي الدولة؟
الدولة تُحتضر بين أيدي مَن يدّعون حمايتها. الدولة غائبة، مغيّبة، مستباحة. أمّا السيادة، فمخترَقة من كل الجهات. والقرار الوطني رهينة حسابات إقليمية ودولية لا ناقة للبنان فيها ولا جمل. في المقابل، الشعب يهاجر، الشباب يهرب، الثقة تُسحق، والهوية تتآكل.
12 تموز ليس مجرّد تاريخ، إنّه رسالة إلى كل مَن لا يزال يؤمن بأنّ النهوض ممكن، إذا ما توفّرت الإرادة. إذا ما تمسكنا بالدستور، بالقانون، بالشرعية، وبالجيش. إذا ما أنقذنا ما تبقى من الجمهورية. فلبنان لا يموت، بل يُهمل. وآنَ الأوان للخروج من عقلية التقاسم والانقسام، إلى مشروع وطني واحد، يُنقذ ما تبقى من هذا الكيان المهدّد.
وفي هذا المشهد القاتم، تبرز فرصة جدّية لإعادة البناء، يحملها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، برمزيّته السيادية وشخصيّته الجامعة، وقدرته على تثبيت الثقة بالدولة والجيش معاً. إنّها لحظة مفصلية، إذا فُوِّتت، فإنّنا نكون قد أهدرنا آخر رمق من رموز الدولة الشرعية.
في ذكرى محاولة الاغتيال التي تحوّلت إلى علامة حياة، نقول:
قد ينجح القتلة في صناعة اللحظة، لكنّهم يفشلون في صناعة التاريخ. التاريخ لا يصنعه القتلة، بل الرجال الذين يؤمنون بالوطن، ويقفون في وجه العاصفة.
وإلى كل مَن لا يزال يعاند فكرة الدولة، نقول: لم تنجحوا حين حاولتم القتل، ولن تنجحوا وأنتم تمارسون الخنق. لبنان لا يُقتل. بل يُبعث كل مرة من تحت الرماد، والرجال الكبار لا يموتون... إنّهم يتحوّلون إلى ذاكرة حيّة، تصنع الأمل وتكتب المستقبل.