62 مباراة لُعبت، واحدة فقط متبقية، 192 هدفاً سُجّل، وما يقارب 2,5 مليون مشجّع عبروا بوابات الملاعب. لقد أثار كأس العالم للأندية أسئلة أكثر ممّا قدّم أجوبة، لكن عندما يتعلق الأمر بتحديد أفضل فريق على الكوكب، فلا يبدو أنّ هناك مجالاً للنقاش.
أي شكوك متبقية تبدّدت تحت حرارة إيست روذرفورد الخانقة في نيوجيرسي، حين فاجأ باريس سان جيرمان ريال مدريد وجماهيره الضخمة بالتقدّم 2-0 خلال أول 9 دقائق من نصف النهائي.
أمّا «تحفة اللقاء» فجاءت بهجمة سلسة انتهت بانطلاقة أشرف حكيمي على الجهة اليمنى وتمريره الكرة إلى فابيان رويز الذي سجّل هدفاً ثالثاً رائعاً (24).
بدا الأمر وكأنّ «فيفا» كان يمكنه تتويج سان جيرمان بطلاً للعالم في تلك اللحظة – على رغم من تبقّي أكثر من ساعة للعب ضدّ ريال، ووجود نهائي منتظر ضدّ تشلسي يوم الأحد. فمنذ بداية العام، بلغ الفريق قمماً لم يتوقعها حتى مدربه لويس إنريكي، إذ فاز بلقب دوري أبطال أوروبا للمرّة الأولى في تاريخه بأسلوب مذهل، ويبدو الآن مُصمِّماً على التتويج بكأس العالم للأندية. رويز وصف الفوز 4-0 بـ»المثالي»، بينما فضّل إنريكي وصفه بـ»الجميل».
فترة «البريق واللمعان» في سان جيرمان، كما وصفها رئيس النادي ناصر الخليفي، جلبت للفريق بعضاً من ألمع نجوم اللعبة - نيمار، كيليان مبابي، وليونيل ميسي - لكن من دون أن تحقّق الألقاب الأهم، إذ عانى المدرّبون المتعاقبون مع تضخّم الأنا والنزعات الفردية لهؤلاء النجوم.
على النقيض من ذلك، فإنّ التشكيلة الشابة الجديدة التي شكّلها المدير الرياضي لويس كامبوس، ويقودها باقتدار إنريكي، أصبحت كما يُسمِّيها المدرب «مرجعاً» للفرق الأخرى. يمتلك الفريق خط وسط يمرّر الكرة بروعة ويقاتل لاستعادتها عند فقدانها، وأظهرة وأجنحة سريعة ومبدعة في كل تحرّكاتها. صحيح أنّهم فقدوا مبابي، الهدّاف التاريخي، لصالح مدريد الصيف الماضي، لكنّ غيابه منح الفريق توازناً أكبر، وأصبح نموذجاً للتناغم والكيمياء الجماعية داخل الملعب.
يصعب تجاهل التباين مع مسار ريال خلال هذه الفترة. قبل عام فقط، تُوّج مدريد بلقبه الـ15 في دوري الأبطال، لكنّ شيئاً ما اختلّ. وإذا اعتُبرت هذه البطولة ختاماً فعلياً للموسم الماضي، كما حاول المدرب الجديد تشابي ألونسو أن يُلمّح، فإنّها كانت حملة خسر خلالها 15 مباراة من أصل 68 في كل المسابقات، مقارنةً بخسارتَين فقط في 55 مباراة الموسم الذي سبقه.
في المونديال، بدا أنّ بعض الجماهير مهتمة بالنجوم أكثر من الفريق، وهو ما لا يُثير الاستغراب في ظل استعراض اللاعبين فردياً قبل المباريات. وغالباً ما كان استقبال لاعبي مدريد أكثر صخباً في ملعب «ميت لايف»، خصوصاً جود بيلينغهام، فينيسيوس جونيور، ومبابي. لكنّ عبادة الفرد أمر مرفوض لدى معظم المدرّبين المعاصرين: حتى لو كان اللاعبون نجوماً موهوبين، مثل جناحَي باريس (دزيريه دووي وخفيتشا كفاراتسخيليا)، فالمطلوب منهم أن يعملوا بلا كلل من أجل الفريق.
وأكّد رويز أنّ «المجهود جماعي أساسي. لاعبونا ممتازون، لكن من دون الجماعية لسنا بشيء».
وبالنظر إلى نجاحه التدريبي مع باير ليفركوزن، فمن المؤكّد أنّ ألونسو سيطالب بالأمر في مدريد، معتبراً أنّ باريس لعب في «أعلى المستويات» في النصف الثاني من الموسم. وأضاف أنّ فريقه «ليس الأول الذي يتعرّض إلى هزيمة ثقيلة على أيديهم». أمّا الحارس تيبو كورتوا، فكان أكثر صراحة، واصفاً الهزيمة بأنّها «صفعة. لم نكن قريبين حتى من مستواهم».
هناك الكثير ممّا ينبغي أن يُفكّر فيه ألونسو، الذي عليه أن يجد وسيلة لاستثمار مواهب بيلينغهام، مبابي، فينيسيوس وغيرهم، من دون الانجراف نحو تدليلهم. إنّها مهمّة مختلفة كلياً عن تلك التي نجح فيها بإعجاز في ليفركوزن.
مبابي لاعب رائع وسجّل 44 هدفاً في موسمه الأول مع مدريد، لكنّ قدومه لم يجعل الفريق أقوى. أحياناً، وبصرف النظر عن نواياهم، قد يطغى اللاعبون الكبار على زملائهم بشكل يضرّ بالتوازن والانسجام في غرفة الملابس والملعب.
أحياناً، يكون رحيل نجم كبير بمثابة تحرّر. ويمثل عثمان ديمبيلي، الذي سجّل 6 أهداف فقط في موسمه الأول مع باريس و35 في الثاني، ربما المثال الأوضح للاعب انفجر أداؤه بعد مغادرة مبابي.
صحيح أن ّباريس قدّم مستويات رائعة في فترات مختلفة خلال العقد الماضي، قبل وبعد قدوم مبابي من موناكو في 2017، لكن لم يكن يوماً بالقوة الطاغية التي ظهر بها خلال مشواره في دوري الأبطال، عندما سحق مانشستر سيتي في «حديقة الأمراء»، وأطاح بليفربول، أستون فيلا وأرسنال، قبل أن يكتسح إنتر 5-0 في أكثر نهائي من طرف واحد في تاريخ البطولة.
كان الفوز بأكبر مسابقة أوروبية حلماً استحوذ على باريس منذ أن اشترته «قطر للاستثمارات الرياضية» في 2011، تماماً كما حدث مع تشلسي بعد استحواذ الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش عليه في 2003. أمّا التتويج بكأس العالم للأندية، حتى بصيغته الجديدة، فلن يترك الأثر نفسه، مهما حاول رئيس «فيفا» جياني إنفانتينو الادّعاء بعكس ذلك.
كانت بطولة العالم للأندية موجودة أصلاً، كمسابقة سنوية بين أبطال الاتحادات القارية الـ6، لكنّ إنفانتينو يرى إنّ توسيعها «يُتيح لنا لأول مرّة معرفة مَن هو أفضل فريق في العالم».
المنطق هنا معيب. فالبطولات الإقصائية لم تكن يوماً مقياساً موثوقاً لحال اللعبة. وإلى جانب ذلك، فإنّ الزعم بأنّها تضمّ «أفضل 32 فريقاً في العالم» غير دقيق إطلاقاً. برشلونة، ليفربول ونابولي (أبطال إسبانيا وإنكلترا وإيطاليا) لم يتأهلوا. ومع كامل الاحترام للوداد، الترجي، سالزبورغ، إنتر ميامي وغيرهم، لا أحد يعتبرهم من بين أقوى 32 فريقاً.
هذا لا يعني أنّ نهائي الأحد سيكون تحصيلاً حاصلاً، لكنّ مدرب تشلسي إنزو ماريسكا لن يدّعي أنّ فريقه في مرحلة التطوّر عينها. فتشلسي لا يزال في طور التجريب والبحث عن الاستقرار.