في ذكرى الحرب الأهلية... هل لبنان أمام حرب أهلية؟!
محمود القيسي
Tuesday, 16-Apr-2024 06:42

مِنْ شُبَّاِكِ العَدِمِ

وُلِدَتُ..

هَذَا أَنَا ..

أَنامُ بِأغْطِيَةِ الحَرْبِ

أَشرَبُ نَخْبَ الوَصَايَا

وَأَتلُو خِلْسَةً سُورَةَ الضَيَاعْ

(الشاعر نَصير الشَّيخ)

لماذا يحاول البعض دائماً زَج اسم لبنان ومكانته ومستقبله في حروب الآخرين على أرضه... الارض التي اصبحت شطرنج الجغرافيا الملعونة؟ لماذا هناك من يحاول دائماً أن يُؤخَذ لبنان الى الحروب الأهلية الغبية او (الحروب غير العادلة) في حقيقة المعنى... في البلاد التي تحولت الى غابات ومزارع الطائفية والمذهبية والحروب الجاهزة كما الوجبات السريعة الجاهزة عن سابق إصرار وترصّد وخيانة ذاك البعض وأجندات مُشغليه المأزومة؟ ولماذا هناك من يحاول تعطيل او تحويل مؤشر وعقارب حقيقة ما يجري في بعض المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية الطارئة الى وجهة او واجهة غير حقيقية في البلاد التي اصبحت بفِعل فاعل تتغذى على الشائعات والهتافات والازمات والمؤامرات... مؤامرات الاخرين على ارضه؟ لماذا كل ما يجري في بلاد الجغرافيا الملغومة والملعونة والغبية أصبح مثل عروض سينما «سلوى» البيروتية القديمة... سينما عروض الافلام القديمة المتواصلة نفسها في بيروت الخمسينات والستينات والسبعينات؟... تعددت الاسباب كما يقال والموت واحد... نعم، تعددت الاسباب والمصالح والاجندات والخيانات والمؤامرات والهمس واللمس والحروب واحدة لا تتغير... حروب جاهزة، تبدأ برصاصة «طائشة» على حاجز طيّار من هنا... او حاجز طيار من هناك... وتنتهي بحرق وطن عن بكرة أبيه... وتدمير مستقبل شعب بأكمله.

 

لبنان، دولة حديثة العهد في المشرق العربي (بلاد الشام أو سوريا الطبيعية) أُنشئ وفقاً لاتفاقية سايكس - بيكو بين الحكومتين البريطانية والفرنسية ١٩١٦، وأعلن إنشاؤه باسم «دولة لبنان الكبير» في 1 أيلول ١٩٢٠، ثم باسم «الجمهورية اللبنانية» في ٢٣ أيار ١٩٢٦... ومَرّ، بعد تأسيسه عام ١٩٢٠، بثلاث مراحل رئيسية هي: مرحلة الانتداب الفرنسي، ومرحلة الاستقلال، ومرحلة الحرب الأهلية اللبنانية التي تعتبر من أخطر مراحل لبنان الوجودية. الحرب الأهلية، أو المرحلة الثالثة كما يطلق عليها في التاريخ اللبناني تاريخياً.

 

تسلّم الرئيس «سليمان فرنجية» الحكم، فألغى الشهابية برمّتها، وسعى، في الوقت نفسه، إلى التقرّب من المقاومة الفلسطينية، فذهب إلى الأمم المتحدة ليُلقي فيها باسم العرب كلمة فلسطين (عام ١٩٧٤). ولكن، ما ان عاد، حتى بدأت المؤامرة الكبرى تذرّ قرنها في كل أنحاء لبنان. ففي ١٣ نيسان ١٩٧٥ وعلى أثر مجزرة ارتكبها حزب الكتائب اللبنانية ضد مدنيين فلسطينيين كانوا في حافلة مَارّة في الضاحية الشرقية من بيروت (عين الرمانة) قُتل كل ركابها، نشبت حرب مدمرة بين الأحزاب الوطنية واليسارية اللبنانية وتنظيماتها المسلحة، والتي شكّلت، فيما بعد، الحركة الوطنية والتقدمية اللبنانية، والمتحالفة مع المقاومة الفلسطينية من جهة، وبين اليمين المسيحي اللبناني بزعامة القادة الموارنة الثلاثة: بيار الجميّل رئيس حزب الكتائب اللبنانية، وكميل شمعون رئيس حزب الوطنيين الأحرار، وسليمان فرنجية رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس تنظيم «المردة» الزغرتاوي، وباقي التنظيمات اليمينية المسيحية المسلحة، والتي شكلت، فيما بعد، الجبهة اللبنانية وذراعها (القوات اللبنانية) بقيادة بشير الجميّل... حزب القوات اللبنانية حالياً بقيادة سمير جعجع.

 

إنتهت ولاية الرئيس فرنجية عام ١٩٧٦ والحرب الأهلية ما زالت مستعرة، الحرب الأهلية اللبنانية هي حرب أهلية متعددة الأوجه، والتي استمرت فعلياً من عام ١٩٧٥ إلى عام ١٩٩٠، وأسفرت عن مقتل ما يقدّر بـ ١٢٠ ألف شخص. وتَشرّد ما يقرب من ٦٧٠ الف شخص داخل لبنان في ذلك الوقت. كما كان هناك أيضا نزوح لما يَقرب من مليون شخص من لبنان نتيجة للحرب... أما الأسباب الحقيقية لهذه الحرب فيمكن تلخيصها بما يلي:

 

- تزايد الشعور لدى فريق من الشعب اللبناني وإحساس هذا الفريق بالغبن المُزمن والمستمر تجاه الهيمنة الفئوية الطائفية.

- نفوذ المقاومة الفلسطينية في لبنان، والذي تجلّى في عهد الرئيس حلو باتفاقية القاهرة.

- مبادرة اليمين المسيحي اللبناني المسلّح لوقف نمو هذين الشعور والنفوذ بقوة السلاح.

 

إنتخب الرئيس الياس سركيس رئيساً للجمهورية اللبنانية خلفاً للرئيس سليمان فرنجية في شتورة في نيسان عام ١٩٧٦، وذلك لتعذّر اجراء الانتخابات في العاصمة بيروت، وفقاً للعرف الدستوري، بسبب استمرار الحرب الأهلية وتفاقمها. وتسلّم سركيس مقدرات الحكم في ٢٣ أيلول من العام نفسه، وقد بدأ عهده بمؤتمر قمة مصغّر عُقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية في تشرين الأول عام ١٩٧٦ وانتهى بإقرار إرسال «قوات ردع عربية» إلى لبنان بقيادته شخصياً. وقد أوكَلَ إلى العميد في الجيش اللبناني سامي الخطيب قيادة هذه القوات نيابة عنه، واستمرت هذه القوات بقيادة العميد الخطيب حتى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢، هذا الاجتياح الذي جرى في ظله انتخاب الأخوين بشير ثم أمين الجميّل، بالتتالي، عام ١٩٨٢، رئيسَين للجمهورية اللبنانية. كما لم تجر أية انتخابات نيابية في عهد الرئيس سركيس نهائياً.

 

إغتيل بشير الجميل، رئيس الجمهورية المنتخب، بعد نحو عشرين يوماً من انتخابه (١٩٨٢/٩/١٤) وقبل أيام من موعد تسلّمه منصب الرئاسة، فخلفه شقيقه أمين الجميل في (١٩٨٢/٩/٢٣) رئيساً لجمهورية منقسمة على نفسها، ومستمرة في حرب مدمرة، من دون ان يتمكن من طرد المحتل الاسرائيلي من جنوب لبنان أو اعادة توحيد البلاد تحت سلطته وإنهاء الحرب الأهلية المستمرة في تلك الحقبة من تاريخ الجمهورية اللبنانية...

 

يمر لبنان الآن بمرحلة من اصعب مراحل وجوده، اذ يتوقف على نتيجتها بقاؤه، كياناً موحّداً، أو تقسيمه إلى كيانات متعددة، أو تقاسمه بين الأجندات الأجنبية المسلحة الحاكمة داخل البلد.

 

تتم مناقشة مفهوم وتعريف «الحقيقة» في «ويكيبيديا» ومعظم مراكز البحوث والدراسات ضمن عدة مجالات، منها الفلسفة والفن واللاهوت والعلوم. وتعتمد معظم الأنشطة البشرية على المفهوم، حيث تُفترَض طبيعتها كمفهوم بدلاً من أن تكون موضوعاً للمناقشة، وهذا يشمل معظم مجالات العلوم والقانون والصحافة والحياة اليومية. يرى بعض الفلاسفة مفهوم «الحقيقة» على أنه بسيط وأساسي وغير قابل للتفسير بأيّ شكل يُسهّل فهمه أكثر من مفهوم «الحقيقة» نفسها. ينظر البعض إلى «الحقيقة» على أنها تناسب بين افتراض وواقع مستقل، في ما يسمّى أحياناً نظرية التوافق «للحقيقة».

 

لا تزال النظريات والآراء المتنوعة عن «الحقيقة» موضع نقاش بين العلماء والفلاسفة والسياسيين واللاهوتيين. وتعتبر اللغة هي الوسيلة التي ينقل بها البشر المعلومات بين بعضهم البعض. ويطلق على الطريقة المستخدمة لتحديد ما إذا كان شيء حقيقياً اسم معيار «الحقيقة». هناك مواقف متباينة حول أسئلة، مثل ما الذي يشكل «الحقيقة»؟ وما هي الأشياء التي تحمل «الحقيقة»؟ وكيفية تعريف «الحقيقة» وتحديدها وتمييزها، وما هي الأدوار التي يؤديها الإيمان والمعرفة التجريبية في ذلك؟ وما إذا كانت «الحقيقة» يمكن أن تكون ذاتية أو موضوعية بمعنى «الحقيقة» النسبية مقابل «الحقيقة» المطلقة.

 

في ذكرى الحرب «الأهلية اللبنانية ١٩٧٥-١٩٧٦» التي تُصادف في ١٣ نيسان تاريخ الرصاصة الأولى والضحية الأولى... والتي، وبكل أسف، ما زالت «مجهولة الهوية» والنسب... مجهولة الأسماء والمسمّيات فيما يعود إلى أهداف تلك الحروب وتداعياتها المستمرة حتى يومنا هذا... الحرب، أو الحروب التي ما زال أمراؤها المحليين أحياء يحكمون... أمراء حرب يُحاضرون في العفّة السياسية ودم الضحايا... ويعدّون العدة الى اختراع تاريخ مخطوف آخر... تاريخ الانتخابات الرئاسية اللبنانية المخطوفة مع الاستحقاقات الوطنية المخطوفة... تاريخ الاسماء والمسميات... تاريخ الضحايا والذبح على الهوية المذهبية والطائفية في إحدى أخطر فصول تلك الحرب والحروب العبثية... تاريخ الحروب غير الشرعية قاطبة من دون استثناء. ها نحن مرة اخرى يعود بنا التاريخ إلى الوراء على إيقاع «طبول» المأساة والمهزلة الوجودية... الوجودية. في هذا اليوم، الوجودي بامتياز..

 

هذه الذكرى... الذكرى المستمرة... الحقيقة الوحيدة المستمرة... أنصَح كل المهتمّين، وكل من يعنيهم الأمر في هذه العبثية السياسية «الديمقراطية» وحروبها الديمقراطية «التوافقية»... بقراءة كتاب جيمس ستوكر «ميادين التدخّل»... هذا الكتاب هو دَحض للرواية السائدة حالياً في لبنان عن سبب ومسار الحرب الأهليّة اللبنانية وأمراء حروبها في الداخل اللبناني والخارج... كما أنصح بقراءة كتاب Reinoud Leenders - “Spoiles Of Truce” corruption and state-building in postwar Lebanon.. في محاولة لاستكشاف بعض حقيقة تلك الحروب وأمراء طوائفها.. وحفّاري قبورها.. في محاولة للإضاءة على بعض جوانبها المظلمة.. والمظلمة جداً. في محاولة لفك بعض حروف العلّة في حروبها وطلاسم حروفها وحروبها.. أو إلقاء الضوء مجدداً.. ومجدداً.. ومجدداً، على أسماء وحوشها القدماء والجدد.. أو أسماء أمراء حروبها وأسيادها.. أو في أقل تقدير، أسماء الوحوش الاحياء.. الوحوش الاحياء في حروبها السابقة.. وحروبها الحالية.. وحروبها القادمة!

الأكثر قراءة