الى اين يتجه صراع الهوية السياسية في لبنان في ظل الأزمة الحالية؟
الدكتور زكريا حمودان

مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء

Wednesday, 14-Feb-2024 18:53

يزداد الشرخ بين اللبنانيين عند كل استحقاق محلي، إقليمي او حتى دولي، وكأنَّ هذا الوطن صُنعَ ليقف كل فريق عند مفترق طرق في مواجهة الفريق الآخر.
المشهد اللبناني واضح جدًا، لكن اللاعبين المحليين لديهم أزمات متضاربة فيما بينها، خاصة عندما يدخل النكد السياسي كأداة للبعض من أجل تعطيل مسار معين في مواجهة المسار الآخر، وكأن صيغة الغالب والمغلوب تقبلها جميع الديمقراطيات إلا الديمقراطية التوافقية اللبنانية.

 


عندما يتضارب المشهد الدولي مع الحسابات الداخلية

ما لم يحسبه البعض في الداخل اللبناني منذ بداية العام المنصرم هو مسار التقارب الايراني-السعودي، ومسار التقارب العربي-السوري، فتوقف الزمن عند بعض الأحزاب اللبنانية ذات الثقل السياسي في لبنان عند تلك الصراعات لأن التفاهمات لا تجدي نفعًا في سياستهم الداخلية.

 


هذا الأمر عكسه آداء حزب القوات اللبنانية الذي شن عدة هجمات سياسية على بعض الموفدين الغربيين الذي تعاطى بواقعية سياسية مع حزب الله، وكذلك الأمر حصل خلال ملف التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون ومعارضة التيار الوطني الحر للموفد الفرنسي الذي كان يمثل رأي اللجنة الخماسية بحسب مصدر سياسي بارز.
أما حزب الكتائب اللبنانية وخلال خطاب رئيسة النائب سامي الجميل فقد أثار ملف سحب سلاح المقاومة في الوقت الذي تفرض فيه المقاومة معادلة جديدة تثبت الاعتراف الدولي بشرعيتها استنادًا الى حق اللبنانيين في المقاومة، وذلك من حيث التفاوض معها على التراجع خلف الليطاني ولم يعد الحديث عن سحب سلاح او غير ذلك، فهل مازال الزمن متوقف عند البعض في لبنان عند مستقبل سلاح المقاومة؟

 

 

ما قبل معركة غزة ليس كما بعدها، هل نعيش معًا؟

لم يخدم التقارب الاقليمي والدولي الشديد بعض القوى السياسية التي أعتادت على حقن النفوس قبل معركة طوفان الأقصى، فأذعن البعض بالنكران للهوية السياسية لبعض الافرقاء اللبنانيين ضمن مسلسل واضح ومتكامل انتهجه البعض كمنطلق عام ومعروف ضمن الاحقاد التي تنامت في لبنان منذ العام ٢٠٠٥ او ربما قبله، او حتى ضمن ندم شديد على ملكٍ لم تحافظ عليه تلك القوى التي لم تعد تطيق العيش مع الآخر.

 


الهوية الوطنية للمقاومة في لبنان رسختها الانجازات المنطقية التي حققتها دماء الشهداء بحسب ما ترى المقاومة مناسبًا، سواء في لبنان او سوريا او ربما حتى في اليمن. هذا الكلام قد لا يتناسب مع ما يراه البعض خروجًا عن شكل الدولة البروتوكولي، لكن حقيقة الأمر أن السكل البروتوكولي للدول لا يلتقي دائمًا مع مضمون آداء الدول الكبرى ذات المصالح الاستراتيجية، واذا ما اردنا تقديم الأمثلة فهي كثيرة ومعروفة على سبيل المقال لا الحصر:

 


١- الدعم الأمريكي والغربي لمجموعات ودول متعددة من أجل اسقاط الاتحاد السوفييتي.
٢- الدعم الأمريكي للاكراد من اجل تنامي نفوذهم حيث وجودهم لالحاق الضرر في سوريا والعراق وتركيا وايران.
٣- الدعم الامريكي لاحزاب لبنانية من اجل محاولات اسقاط حزب الله من داخل لبنان.
٤- وصول جيش العدو الاسرائيلي الى العمق اللبناني ووضع يده في يد احزاب لبنانية من اجل تشكيل حلف استراتيجي في الثمانينات من القرن الماضي.
٥- الحاضنة الامريكية والتركية والعربية والغربية لكل من تآمر من اجل اسقاط النظام السوري منذ بداية الاحداث في سوريا.

 


وغيرها من الاحلاف المتناقضة مع ما ينتقده البعض في لبنان اليوم خاصة دعاة السلام في المنطقة التي تتضارب فيها القضايا والمصالح، الامر الذي فعلًا يطرح علامة استفهام على من يطالبون بالسلام من جهة، ويطرحون موضوع التعايش من جهة أخرى، بحيث لا بُدَّ وان نسألهم بوضوح حول حالة النكران للواقع السياسي المحلي والاقليمي والدولي التي يعيشون فيها، ونسأل أنفسنا اليوم وبعد كل الفشل في مواجهة مسروع المقاومة في لبنان، هل نستطيع العيش معهم؟

الجواب الطبيعي اليوم هو أنه لا يمكن لأحد أن لا يعيش مع الآخر، لكن على الجميع أن يحترم الآخر كما أنه على الجميع أن بحترم عقل الآخر، لان التحية التي وجهها حزب القوات اللبنانية للسوريين المنتفضين على النظام في سوريا كانت تهدد أمن لبنان واستقراره في القدر الذي يعتبر البعض ان مساندة القضية الفلسطينية هو تهديد للبنان، لكن الفارق كبير جدًا بين مساندة شعب يسعى لتحقيق تحرير وطنه من العدو الاسرائيلي مقابل مساندة مجموعات خربت الاقتصاد والامن والصحة والتعليم والثقافة في سوريا.

 

ما نعيشه اليوم وبكل وضوح هو تناقض مع من يفهم ماهية الهوية السياسية اللبنانية بناء لواقعية سياسية تفرض نفسها محليًا واقليميًا ودوليًا، وبين من يعيش على الشعارات منذ سنوات وسنوات، لا يريد ان يعترف الا بعنوان وحيد ألا وهو الأنا السياسية هناك حيث توقف الزمن ومشى.

الأكثر قراءة