ياسر عرفات وحزب البعث الرافعي: لماذا اعتُقلَت القيادة؟
أسعد الخوري
Tuesday, 09-Jan-2024 07:02

قُتِل ياسر عرفات مسمومًا قبل عشرين عامًا. نقلوه الى إحدى مستشفيات العاصمة الفرنسية بعدما ساءت صحته كثيرًا في رام الله. اليوم، ومع أحداث غزة، وموت الآلاف والدمار الكبير الذي تحدثه عمليات القصف الإسرائيلية، يسأل الفلسطينيون والعرب: أين ياسر عرفات وقدراته الهائلة على التصدي والعمل بشكل هائل في الأوساط العربية والدولية لوقف هذا العدوان الساحق الذي يقتل النساء والأطفال والرجال بشكل غير مألوف ؟...

 

لا شك أن عرفات أدّى دورًا كبيرًا جدًا، وصولاً الى اتفاق أوسلو وعودة (أبو عمار) الى الأراضي الفلسطينية لتأسيس دولة تكون قادرة خلال سنوات على أن تفرض سيادتها وقدراتها على إسرائيل. لكنّ أحد كبار شركائه في اتفاق أوسلو، رئيس الوزراء الاسرائيلي إسحق رابين، اغتيل وبقي عرفات (وحيدًا)، الى أن تمّ اغتياله مسمومًا.

 

كانت تربط عرفات مع حزب البعث علاقات وثيقة. وعندما عاد الى طرابلس طَردته سوريا مجددًا من لبنان بعدما طارَدته، ثم طردته إسرائيل من بيروت. ولم يجد أمامه إلا طريق (أوسلو) للعودة الى أرض فلسطين، حلمه التاريخي منذ ولادته وتأسيسه لحركة فتح بداية العام 1965. وبالرغم من العلاقات الطيبة بين عرفات والبعث إلاّ أنّ توترات حصلت بسبب بعض توجهات حركة فتح.

 

إعتقلت السلطات اللبنانية قيادات كبيرة في حزب البعث: الدكتور عبد المجيد الرافعي، المهندس نقولا الفرزلي، الدكتور علي الخليل، الدكتور بشير الداعوق والمهندس خالد يشرطي، وذلك بسبب توزيع بيانٍ سياسي معارض لانقلاب 23 شباط 1966 في سوريا. هذا الإنقلاب أطاح الرئيس أمين الحافظ والشرعية البعثية المدعومة من قِبَل مؤسس الحزب ميشال عفلق.

 

ويروي عبد المجيد الرافعي في لقاء صحافي (11 حزيران 2017): استيقظنا صباح 23 شباط (1966) فعقدنا اجتماعًا قياديًا أولًا، وأصدرنا بيانًا في 2 آذار نُشر في الصحف في اليوم التالي، فما كان من الدولة اللبنانية إلا أن أدخلتنا السجن.

 

ويضيف الرافعي: لقد دانَ البيان انقضاض العسكر على السلطة، وضرب القيادة القومية ووضعها في السجون، فميشال عفلق ترك دمشق الى طرطوس (سرًا) ومن هناك استقل زورقًا صغيرًا باتجاه الميناء - طرابلس (شمال لبنان)، أما الرئيس أمين الحافظ وجبران مجدلاني وشبلي العيسمي وسواهم فقد تمّ اعتقالهم.

 

يضيف الرافعي: أنا أذكر أنني وزّعتُ شخصيًا البيان وإذ بهم يأتون الى عيادتي (في طرابلس) ويمسكون بي ويأخذونني الى الأمن العام في بيروت، فوجدتُ: نقولا الفرزلي وخالد يشرطي وعلي الخليل ومالك الأمين وبشير الداعوق. وهكذا صرنا 6 أشخاص من القيادة في مركز الأمن العام... ومنه الى السجن حيث أمضينا عدة أسابيع.

 

المحامي الياس الفرزلي (شقيق المعتقل يومها نقولا الفرزلي) أجرى اتصالات برئيس الجمهورية شارل حلو وبأعضاء في الحكومة وبقيادات لبنانية بارزة (بينها تقي الدين الصلح) لإخراج أعضاء قيادة حزب البعث من السجن بسبب موقعهم الحزبي من انقلاب 23 شباط، الذي قاده يومذاك صلاح جديد إضافة الى آخرين.

 

بعد حوالى شهر من الاعتقال تمّ الافراج عن الرافعي ورفاقه في القيادة وعادوا الى أعمال النضال الحزبي.

 

وقال الرافعي في حديثه (قبل وفاته بعدة أشهر): المعروف أن الدولة اللبنانية دعمت الانقلاب الجديد في سوريا الذي دعم يومئذ القوى المناهضة للقضية اللبنانية. أما حزب البعث فقد دعم المقاومة الفلسطينية كي تتوجه نحو التحرير. وقد عاتبنا صلاح خلف (أبو أياد) يومها على قوله الشهير: «انّ طريق فلسطين تمرّ في جونيه». نحن نعتبر أن القضية هي قضيتنا جميعًا. ومواجهة الصهيونية ليست حكرًا على أحد بل يجب على الأمة جمعاء أن تواجه... لذلك، اعتبرنا في ذلك الوقت انّ دعمنا للقضية الفلسطينية هو دعمنا لوحدة بلدنا ولتوجّهنا نحو تحرير فلسطين مع المقاومة وكل القوى.

 

شهادة نائب طرابلس الدكتور عبد المجيد الرافعي قبل غيابه بأشهر، دليل واضح على أنّ ما يُحاك اليوم في بعض الدوائر السياسية والحزبية ليس دقيقًا ويحتاج الى مراجعة شاملة.

الأكثر قراءة