تتركّز الأنظار اليوم على جدة حيث ستنعقد القمة العربية العادية، والتي يحضرها الرئيس السوري بشار الاسد للمرة الاولى منذ 12 عاماً، مدشناً عودة بلاده إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وسيكون محور الاهتمام في هذه القمة اللقاءات العربية ـ العربية التي ستشهدها، وكذلك اللقاءات السورية ـ السعودية، ربطاً بتطور العلاقات المضطرد بين الرياض ودمشق وما سيكون لها من انعكاسات على لبنان، فضلاً عن الاهتمام بالقرارات التي ستتخذها هذه القمة في شأن لبنان، ودعمه سياسياً، للخروج من أزمته السياسية، ومادياً للخروج من الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يعيشه منذ العام 2019 وإلى الآن.
ويرى المراقبون، انّ القمة ستطلق العدّ العكسي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني، اذ سيتضمن البيان الختامي للقمة نصاً واضحاً بهذا المعنى، يستعجل اللبنانيين انتخاب رئيس جديد وتأليف حكومة جديدة تنفّذ الاصلاحات الحيوية المطلوبة لبنانياً وعربياً ودولياً، للنهوض بالدولة ولإعادة الثقة العربية والدولية بلبنان.
وتوقع المراقبون ان يعقب القمة العربية وكذلك القمة السعودية ـ السورية التي ستُعقد على هامشها او بعدها، تحرّك عربي فاعل عموماً، وسعودي خصوصاً في اتجاه لبنان، للمساعدة في تنفيذ مقررات القمة في شأنه وعلى رأسها إنجاز الاستحقاق الرئاسي، كخطوة أساسية للانطلاق إلى بناء سلطة جديدة تتولّى معالجة الأزمة.
في غضون ذلك، وفيما تنشط الموالاة في تحرك لحشد تأييد الاكثرية المطلقة لرئيس تيار»المردة» سليمان فرنجية الذي تدعم ترشيحه، لم تتوصل المعارضة بعد إلى اتفاق على مرشح، ولا إلى استجماع الأكثرية المطلقة ايضاً لهذا المرشح، في حال توصلت اليه من خلال اتصالاتها مع «التيار الوطني الحر» الذي تلتقي معه على معارضة فرنجية .
وافادت معلومات لـ«الجمهورية»، انّ المعارضة كلّفت لجنة منها، تنسيق المواقف بينها وبين «التيار الوطني الحر»، من اجل التوصل إلى تقاطع مشترك على اسم مرشح، الّا انّ هذا الامر لا يزال يصطدم بعوامل عدة، على رغم من اقتناع «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» بمرشح التيار الوزير السابق جهاد ازعور.
وذكرت مصادر مواكبة للاتصالات لـ«الجمهورية»، انّ «من العوامل التي لا تزال تعوق ذلك، هو تردّد رئيس التيار النائب جبران باسيل في القرار، وتأكيده انّ ازعور ليس مرشحه، أضف إلى انّه لا يزال يعمل على خط «حزب الله»، رافضاً قطع العلاقات نهائياً معه، لأنّه يدرك انّ اي تقاطع بينه وبين «القوات اللبنانية على اسم مرشح من شأنه ان يؤدي إلى انقطاع العلاقة نهائياً بينه وبين الحزب».
من جهة اخرى، قالت المصادر، انّ موقف رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط «لا يزال يُحدث تردداته السلبية على المعارضة، إذ انّ هذا الموقف قد عطّل فكرة بلوغ عتبة الـ 65 نائباً، خصوصاً انّ المعارضة لم تستطع جذب اكثر من 3 نواب من التغييريين، وكذلك لم تستطع إحداث خرق على المستوى السنّي ايضاً. ومن هذا المنطلق، فإنّها ستعود الى فكرة تعطيل النصاب إذا ما شعرت أنّ فرنجية تخطّى عتبة الـ 65 نائباً، ولكن هذا المعطى يبقى مشوباً بالشك إذا ما أخذ في الاعتبار ما قاله السفير البخاري من انّ هناك ثمة عقوبات ستطاول كل من يعطّل جلسات الانتخاب الرئاسي».
ولذلك تبقى الأنظار شاخصة الى تداعيات القمة العربية على الساحة الداخلية اللبنانية التي من شأنها إجلاء الصورة عن الغطاء العربي، وخصوصاً السعودي، للمرشح الرئاسي في لبنان. إذ انّ هناك مراقبين قد اعتبروا انّ الموقف السعودي الحقيقي من الاستحقاق الرئاسي اللبناني قد تُرك الى ما بعد القمة، وانّ كل ما قام به البخاري في الآونة الاخيرة كان التمهيد لهذا القرار.
«القوات»
في غضون ذلك، أصدرت الدائرة الإعلامية في حزب «القوات اللبنانية» بياناً اتمهت فيه «فريق الممانعة» بأنّه «يطمس الحقائق تمييعًا لمسؤوليته في إغراق البلاد بمزيدٍ من التعطيل والتخريب». وقالت: «إنّ مَن يتحمّل مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية هو رئيس مجلس النوّاب المتلكّئ عن الالتزام بواجباته الدستوريّة في الدّعوة لجلسة نيابية مخصّصة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، أمّا ربط موعد الجلسة وبالتالي التعطيل بعدم اتّفاق المعارضة على مرشّح، فهو مدعاة للاستغراب، كون قرار المعارضة يعنيها ويعود لها وحدها إعلان حيثيّته وتفاصيله وتوقيته، وما من بندٍ دستوريّ يلزمها بذلك».
واضافت: «إنّ فريق المعارضة هو أوّل مَن خاض الاستحقاق الرئاسي بالتزامٍ تامّ وفقًا لمندرجات الدستور كلّها، حيث رشّح النائب ميشال معوض ودأب على التصويت له في كلّ الجلسات دون انقطاع، وقد قاربت أصواته الخمسين نائبًا مؤيّدًا، فيما لم ينجح فريق الممانعة بجمع هذا التأييد لمرشّحه ولا حتّى بسلوك المسار الدستوري نفسه تأييدًا له، وبالتّالي تحميل التّعطيل لفريق المعارضة، ليس سوى ذرّ للرّماد الممانِع والمخادِع في العيون».
واعتبرت انّ «الحديث عن «معارضات» فاقدة لقدرة جذب أطراف أخرى إلى خياراتها، ليس سوى ترجمةً لتخبّط الممانعة أمام جدران فشلها في إيصال مرشّحها، ومحاولة لرمي ما تُعانيه على غيرها، حيث إنّ قوى المعارضة وعلى اختلافها، نجحت في فرض ميزان قوى نيابي، يمنع مواصلة الاستئثار بالمؤسّسات الدستورية، عدا عن أنّ حراكها الرئاسي اليوم بات في عقر دار فريق الممانعة».
ميقاتي في جدة
وبالعودة الى القمة العربية، فقد وصل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي إلى المملكة العربية السعودية بعد ظهر امس، مترئساً وفد لبنان الى هذه القمة العادية الثانية والثلاثين التي ستبدأ اعمالها بعد ظهر اليوم في مدينة جدة. وقد ضمّ الوفد المرافق له كلاً من وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب، وزير الصناعة جورج بوشكيان، وزير الاقتصاد والتجارة امين سلام، وزير السياحة وليد نصار، ووزير الزراعة عباس الحاج حسن، المستشار الديبلوماسي لميقاتي السفير بطرس عساكر، على ان ينضمّ الى الوفد سفير لبنان في المملكة العربية السعودية فوزي كبارة وسفير لبنان لدى الجامعة العربية علي الحلبي.
وقد أُقيمت لميقاتي مراسم استقبال رسمية في مطار الملك عبد العزيز، وكان في استقباله نائب امير مكة الامير بدر بن سلطان، الامين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط، سفير لبنان في السعودية والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري.
لقاء تشاوري
وفي الوقت الذي انشغلت فيه الحكومة بمشاركة ميقاتي في القمة، وجّهت الأمانة العامة لمجلس الوزراء دعوة مزدوجة إلى الوزراء، أولاها إلى لقاء تشاوري يُعقد الرابعة من ظهر يوم الاثنين المقبل في السرايا الكبير، للبحث في الأمور الراهنة ولا سيما منها نتائج القمة العربية في شأن لبنان على اكثر من مستوى.
اما الدعوة الثانية فكانت لجلسة لمجلس الوزراء تُعقد في 26 أيار الجاري للبت بما يمكن ان يُصار إلى التفاهم بشأنه مع الوزراء، وريثما تكون اللجان الوزارية قد أنجزت بعض أوراق العمل المتعلقة بنتائج الورشة الخاصة بملف المهجرين وقضايا مختلفة.
مصير سلامة
ولفتت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»، الى انّه سيكون على جدول اعمال الجلسة مصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في ضوء التطورات والمستجدات التي جاء بها ادّعاء القاضية الفرنسية أود بوريزي المكلّفة التحقيق في أموال سلامة وممتلكاته في أوروبا، ومصير مذكرة التوقيف الدولية بحقه بعد تغيّبه عن جلسة استجوابه أمامها في باريس، على إثر فشل الضابطة العدلية بإبلاغه وفق الأصول، بوجوب مثوله أمام القضاء في باريس والتي أُحيلت الى الانتربول الدولي امس، وتحولت امراً واقعاً كما هو متوقع منتصف الاسبوع المقبل، إن لم تكن الإجراءات قد أدّت الى الإسراع بإيصالها الى بيروت مطلع الاسبوع بفعل الإجراءات المتسارعة التي أرادتها القاضية بوريزي قبل إحالتها الى التقاعد قريباً..
وأبلغت مراجع عليا إلى «الجمهورية»، انزعاجها من بعض المواقف التي ادلى بها سلامة في مقابلة مع قناة «الحدث»، خصوصاً لجهة نصيحته الى القضاء بأن يبدأ بالسياسيين وليس بحاكم المصرف المركزي، معتبراً «انّهم يستهدفونه لأنّهم يخشون استهداف السياسيين».
ولفتت المراجع إلى انّ كلام سلامة ينطوي على تهديد في غير مكانه. وأضافت: «من واجب اي شخص لديه معلومات عن السياسيين ان يدلي بها، لا ان «يبعبع».
سلامة: سأتنحى
وكان سلامة قال امس لقناة «الحدث»، انّ «تحقيقات صندوق النقد تظهر عدم وجود تزوير في ميزانيات مصرف لبنان المركزي». ولفت الى انّ «المصرف المركزي سيتدخّل ولن يسمح بانفلات سعر الصرف أكثر». واشار إلى انّ «القرض الحسن» التابع لـ«حزب الله» غير مرخّص له من مصرف لبنان».
واوضح انّ «التبليغ من جانب القاضية الفرنسية لم يكن حسب أصول الاتفاقية بين لبنان وفرنسا، وأنا متعاون مع القضاء، ونحن طلبنا من القاضية الفرنسية تبليغنا حسب الأصول وهي رفضت. أمّا كل الضجة القائمة حول التحقيقات الفرنسية فلا أساس لها، وسأحضر أي جلسة تحقيق يتمّ تبليغي بها حسب الأصول». وشدّد على انّ «المسار القانوني ظالم لكنني مستعد له». واكّد انّه «سيتنحّى» عن منصبه إذا صدر حكم قضائي ضدّه. ولفت الى انّ «نائب حاكم المصرف المركزي سيتسلّم المنصب بعد انتهاء ولايتي»، وتابع: «يستهدفون حاكم المصرف المركزي لأنّهم يخشون استهداف السياسيين، وتقرير البنك الدولي حول منصة صيرفة «غبي».
في هذه الأثناء دعا نائب رئيس حكومة تصريف الاعمال سعادة الشامي سلامة، الى «الاستقالة»، بعدما أصدرت فرنسا مذكرة اعتقال بحقه في إطار تحقيق في اتهامات احتيال. واشار الى انّه «عندما يُتهم شخص في أي دولة بمثل هذه الجرائم، ينبغي أن لا يظلّ في موقع مسؤولية ويجب أن يتنحّى فورا». وأضاف: «أعتقد أنّه يجب أن يستقيل».
المجلس الدستوري
وعلى خطٍ موازٍ، ما زالت الأوساط الحكومية والنيابية تنتظر نتائج مسلسل الطعون المرفوعة أمام المجلس الدستوري، ولاسيما منها قانون إرجاء الانتخابات للمجالس البلدية والاختيارية، في ضوء بدء النظر بتقرير المقرر الخاص بالطعون الثلاثة المرفوعة من كتلتي «القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» وحلفائهما كما النواب التغييريين.
وفي الجديد المنتظر، انعقد المجلس الدستوري أمس برئاسة رئيسه القاضي انطوان مشلب، وباشر البحث في مضمون التقرير الذي رُفع في شأنها بعد دمجها بملف واحد. وتقرّر في نهاية الاجتماع مواصلة البحث في اجتماع يُعقد الاثنين المقبل وصولاً إلى قرار يتعلق بمصير الطعن الخاص بقانون التمديد للمجالس البلديات والاختيارية.
«تعديلات» الشراء
وعلى صعيد آخر، وتعليقاً على مصير الطعن الذي قدّمته مجموعة من النواب التغييريين والنائب جميل السيد حول التعديلات المقترحة على قانون الشراء العام، أعلن رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب بعد الاجتماع، انّه تمّ تعليق مفعول القانون كخطوة أولى لا بدّ منها، إيذاناً بقبول الطعن في شكله وتوقيته، قبل البحث بالمضمون، في انتظار تقرير المقرّر الذي تمّ تعيينه في الجلسة لدراسة الطعن وإبداء الرأي الذي سيكون على جدول اعمال المجلس ضمن المهلة التي تتحكّم بمثل هذه الخطوة.