الفنان اللبناني العالمي هرير: الموهبة والتصميم يصنعان نجماً!
منير الحافي
Monday, 01-Aug-2022 06:22
في الطبقة السابعة من مبنى راقٍ في الرملة البيضاء في بيروت، يقطن الفنان هرير. هذا الفنان اللبناني - العالمي من أصول أرمنية مولود في بيروت وتحديداً في منطقة الزيتونة. أما الرملة البيضاء التي يسكن فيها منذ أكثر من ٤٠ عاماً فهي جزء منه ومن تاريخه الفني والاجتماعي والوطني. يستقبلك هرير بابتسامة أمل ومحبة، هو ذاك الفنان المثقف، المنفتح، العربي، الأرمني، اللبناني، البيروتي!

 

يحدثني هرير عن دراسته وحبه للفن التشكيلي منذ نعومة أظفاره. فهو كان تلميذاً في الليسيه الفرنسية وكان مقرها في منطقة الناصرة قبل أن تنتقل إلى «ستاد دو شايلا» في المتحف. درس هرير البكالوريا الثانية وتخصّص بالفلسفة وكان شغوفاً بكل أنواع الفنون. كان محتاراً ماذا يختار لدراسته الجامعية: الفن التشكيلي أم فن السينما؟ لم يكن أحد من أفراد عائلته فناناً لكن والدته كانت تقتني السجاد والتحف الفنية. فساعدته وشقيقته على «رؤية الجمال الكامن في شتى أنواع الفنون عبر الثقافة الفنية غير المباشرة وإنما المُعاشة في البيت». وفي هذه الأجواء صار هرير فناناً وأخته آني أيضاً هي فنانة تشكيلية. درس في الأكاديمية اللبنانية للفنون (ألبا) الهندسة الداخلية في العام ١٩٦١. كان مقر الأكاديمية يومها في منطقة الظريف مقابل «حبس النسوان». ويروي هرير طرفة عن زميل له يُدعى «بوب» كان يقطن في منطقة باب إدريس في وسط بيروت. كان يذهب هرير وبوب مشياً على الأقدام من باب إدريس إلى «الغران تياتر» ليستقلّا «السرفيس» نحو الأكاديمية. فإذا سأل السائق الشابّين: إلى أين تريدان الذهاب؟ يرد بوب: «عَ حبس النسوان.. رايحين نزور الماما»!

 

درس هرير الهندسة الداخلية وإنما في الوقت نفسه درس فن الرسم. فالمرسم في الجامعة كان متاحاً للطلاب مجاناً كما كان متاحاً للرسامين. حينها تعرف هرّير إلى: أوديل مظلوم التي كانت قد خَطت نحو الاحتراف الفني، وحسين ماضي الذي كان يعمل رساماً كاريكاتورياً في إحدى المجلات. لكن الفنانين الذين كانوا على طريق الاحتراف كان عليهم أن يأتوا مساء إلى مرسم «الألبا» ليتمرّنوا على الرسم خصوصاً الرسم العاري حيث كانت تؤمن الجامعة العارضات اللواتي على الرسامين أن يرسموهنّ عاريات. ويذكر هرير أن اسم العارضة «مريم». ويعتقد أن مريم هذه، هي التي ظهرت في رسومات كل من أنسي وفروخ وماضي وغيرهم. وكانت هناك عارضة أخرى سمراء البشرة اسمها «كيتي». كانت هاتان العارضتان تتعريّان للفنانين كي يتمرنوا على رسم جسم المرأة. «فأهم شيء للفنان هو أن يستطيع أن يرسم جسم الإنسان. لأنه عندما يستطيع ذلك يعني أنه تعلّم أساس الرسم». الفنان الذي يتعلم أساس الرسم يستطيع حينها الانتقال إلى الرسم التجريدي. أما الذي يبدأ بالتجريد ولا يتعلم أصول الرسم - خصوصاً رسم الإنسان - يظل ضعيفاً في الفن وينقصه الشيء الكثير، بحسب هرير.

 

إلى جانب دراسته والمشاريع التي تطلب منه في الهندسة، كان هرير يزور المرسم ثلاث مرات في الأسبوع.

 

في السنة الرابعة من دراسته الهندسة ١٩٦٤، عرض هرير لوحتين من رسوماته في متحف سرسق. تلقّى اتصالاً من هيلين الخال، زوجة يوسف الخال لتخبره أنها «معجبة برسوماته» وبأنها وزوجها يريدان منه أن يعرض في «غاليري وان» الذي يملكانه في شارع فينيسيا في بيروت. كانت هناك صالتان في الغاليري. واحدة يعرض فيها الفنانون المبتدئون ولكن الذين يملكون موهبة مثل هرير. وكانت صالة أخرى يعرض فيها الفنانون الكبار أمثال: غيراغوسيان وجوليانا وشفيق عبود وميشال المير وسعيد عقل. زارته هيلين الخال في منزله في الزيتونة واختارت لوحتين من فنه لتعرضهما في «غاليري وان». في ذلك الوقت، قرأ هرير في الجريدة أن هناك قصراً جمهورياً جديداً هو قصر نورا في منطقة سن الفيل كان ينوي رئيس الجمهورية شارل حلو يومها أن ينتقل إليه. وعلم أنّ هناك مسابقة يتبارى فيها فنانو لبنان لرسم جداريات فنية لهذا القصر الجديد. وكانت هذه المسابقة متاحة لجميع الفنانين والرسامين ومهندسي الديكور. كان على المشتركين أن يقدموا صوراً مجسّمة عن ٣ جداريات وكانت لجنة التحكيم تتألف من ٣ شخصيات فرنسية مشهود لها بالكفاءة العالمية. كان مطلوباً أن تكون هذه الجداريات ذات مغزى فني يعبّر عن تاريخ لبنان. اهتم هرير للخبر، فتقدم للمسابقة ورسم 3 لوحات صغيرة على كرتون، يمكن تحويلها إلى جداريات بحسب المقاسات المطلوبة للقصر. لم يمر سوى أسبوع واحد، حتى رأى صوَر لوحاته في الصحف اللبنانية: «اللوريون» و»الجريدة» و»النهار» و»الجمهورية» و»الأنوار»! لقد فاز طالب الهندسة الداخلية في مسابقة وزارة الأشغال لرسم الجداريات. هرير دياربكريان يفوز بالجائزة الأولى للرسومات الثلاث وهو ما زال طالباً في سنته الأخيرة. حصل هرير على ٢٥ ألف ليرة لبنانية. وكان هذا الرقم خيالياً بالنسبة إليه! وما بين ليلة وضحاها صار اسمه معروفاً على كل لسان. هذا الأمر جعله الأول في المبيع في «غاليري وان».

 

وصارت هيلين تطلب منه المزيد من اللوحات. فالكل يريد هرير. ليس هذا فحسب، بل صار ضيفاً دائماً في صالون يوسف الخال الأدبي الذي كان يدعو إليه الشعراء والأدباء والفنانين كل مساء خميس. وكان يوسف الخال يصدر مجلة ثقافية هي «دار الشعر». صار هرير «الطفل المدلل» للغاليري والمجلة والصالون الأدبي. كل خميس كان يلتقي الأدباء أمثال نزار قباني وأدونيس وأنسي الحاج ونزيه خاطر وغيرهم. وهكذا طلب يوسف الخال من هرير أن يتفرّغ لرسم مجموعة من اللوحات لإقامة أول معرض خاص به. ضمّ المعرض ٣٠ لوحة لهرير وتم اقتناؤها بسرعة فائقة. كانت أحجام اللوحات متفاوتة بين الصغير والوسط والكبير. وتراوح سعرها بين 100 ليرة و٣٠٠ ليرة لبنانية. إنطلق هرير بعد هذا المعرض لكنه بقي وفياً لاتفاقه مع يوسف ليعرض في الغاليري عنده لمدة خمس سنوات. (غداً الحلقة الثانية: هرير يتحدث عن بيروت.. والملوك والمشاهير يقتنون لوحاته).

الأكثر قراءة