خلال ندوة عن الأزمة الاقتصادية نظمها المركز الدولي لعلوم الانسان اليونيسكو في مركزه في جبيل بالتعاون مع منظمة «طلاب من أجل الحرية» «Student for Liberty» أُلقي الضوء على حجم القطاع العام والقطاع الخاص، وطُرح موضوع الخصخصة من قِبل بعض المحاضرين لتحسين وضع الانتاج الذي ينعكس على الوضع المالي والاقتصادي. ولكن، هل تلغي الخصخصة دور الدولة؟ وهل تشترط تهيئة او تجهيزاً معيّناً قبل اعتمادها؟ وماذا نستخلص من تجربة الخصخصة في مصر؟
اعتبر المحاضر رجل الاعمال مازن دروان، أنّ لبنان في أزمة لأنّه «ابتعد عمّا جعله لبنان» بمعنى انّ تنامي حجم القطاع العام على حساب القطاع الخاص أوصلنا الى هذه النتيجة الفادحة. وأشار الى أنّ في لبنان لا توجد كهرباء ولا شبكة مياه ولا شبكة صرف صحي مشجعة للاستثمار، تُضاف الى ذلك الضرائب المرتفعة. فكيف سيتشجّع المستثمر للاستثمار؟ وبحسب دروان، دور الدولة هو توفير الامن والقضاء، وان تكون «الحكم القيادي» على اعمال القطاع الخاص لا منافساً له.
وفي أوراق قدّمها المحاضر نزار يونس، الباحث في الشؤون الاقتصادية، تضمّنت محاضرات سابقة له، أظهر في واحدة منها عام 2001 واقع المؤسسات العامة قائلاً: «لقد أدّى استئثار احدى مافيات السمسرة والوساطة بمجمل عقود تجهيز الكهرباء، منذ بداية الستينيات وحتى اليوم، واستئثار مافيات اخرى بتجارة المحروقات بعد تعطيل وتسييب المصافي الوطنية، الى افلاس مؤسسة كهرباء لبنان وإلحاق عجز سنوي فيها.
وأثبتت السنوات الماضية عدم انتاجية القطاع العام بحسب دروان، الذي أكّد على ضرورة الخصخصة و«التخلّص من القطاع العام من كل نشاط اقتصادي» لتحسين نوعية الانتاج وزيادة حجمه. موضحاً انّ «العملة هي مرآة الانتاج»، اي انّ تحسين الانتاج سينعكس على الوضع المالي والاقتصادي. ولا بدّ من الاشارة الى أنّ الخصخصة لا تلغي دور الدولة، فهي من سيؤمّن الأمن، الاستقرار والبنى التحتية اللازمة للاستثمار... هذا ما لخّصه يونس في محاضراته السابقة قائلاً: «لم يعد مطلوباً من الدولة، أن تكون الشريك الاساس في العملية الاقتصادية وفي انتاج الثروة، لأنّ دورها الاهم بات يقتصر على رعاية وصيانة الساحة الوطنية، لتأهيلها للمنافسة، عند اختيار المستثمرين لمجالات توظيف اموالهم».
في المقابل، لفت المحاضر نوح الهرموزي، مؤسس المركز العربي للابحاث الانسانية في المغرب ومدير تحرير موقع «منبر الحرية» الالكتروني المتخصص بالاخبار والاقتصاد، الى ضرورة اعتماد سلة اصلاحات قبل تطبيق الخصخصة، كي لا تتحكّم المافيات في القطاعات الانتاجية. وأكّد انّ اكبر الكوارث حصلت في بعض الدول العربية نتيجة الخصخصة مثل تونس والمغرب وخصوصاً في مصر. فالخصخصة بحسب قوله «مرآة تعكس اختلالات الدولة»، «لذلك يجب ان نزيل العوائق من امام الاقتصاد وان نفتح المجال للعديد من الشركات وان نخلق ديناميكية اقتصادية ومن بعدها نخصخص».
وتحدث الهرموزي عن 4 شروط يجب أن تتوفر في كل دولة ليكون لديها اقتصاد قوي، وهي تأمين الامن والاستقرار مع حماية الحقوق وأهمها حماية الملكية، لأنّ «المال او الاقتصاد يذهبان حيث الاستقرار». وأثبت انّ المقولة السائدة انّ «رأس المال جبان» هي خاطئة، فهو «يبحث عن المغامرة، ولكن هو بطبيعة الحال ليس متهوراً ويجب ان نخلق له اطاراً مؤسساتياً». وينبغي تعزيز المنافسة التي تؤثر على الاسعار وترفع جودة الخدمات او الصناعات وتخلق ديناميكية على المدى البعيد. وخلال التطرق الى المنافسة لفت الى ازالة العوائق وفتح الاسواق قبل الخصخصة. وأردف انّ الشرط الثالث هو التدخّل المحدود للدولة لإزالة آثار مزاحمة الدولة «crowding- out effects» بالاضافة الى تأسيس وتقوية ثقافة التضامن في المجتمعات، لأنّه يجب العمل على التقدّم الاندماجي «inclusive growth» في المجتمعات التي تضمّ طبقات فقيرة.
التجربة المصرية
بعد تناول الاصلاحات او الشروط المطلوبة لبناء اقتصاد قوي، من الضروري معرفة ولو بشكل مختصر ما حصل في مصر بعد الخصخصة. كون الخصخصة كانت واردة في البند الثالث من الورقة الاصلاحية. مع العلم انّ لكل بلد خصوصيته، وانّ للخصخصة فوائد مشروطة بحسب الدراسات التي فصّلت التجربة المصرية. وخلال اجراءات الخصخصة التي اعتمدتها مصر بين 1991 و2008 تمّ تحديد الشركات التي ستخضع للخصخصة، وكان من ضمنها شركات رابحة. ونتج من ذلك تسريح عدد كبير من العمال وظهور الاحتكارات بالاضافة الى البيع على اساس المصالح والمحسوبيات.
في هذه الظروف الصعبة أصبحت كلّ خطوة الى الامام مرتبطة بالاصلاح. وان لم يتحقق في اسرع وقت «سيخبز الاقتصاد اللبناني في الافراح».