السلاح يقتل صاحبه وفق التجربة وليس الصدفة
عصام عبد الله
Saturday, 13-Oct-2012 01:45
هل هي مصادفة أن يثور الشعب التونسي ويضطرّ الرئيس زين العابدين بن علي، الذي كان يقيم سعيداً ضمن أمبراطورية لم يتخيّل يوماً أنّها ستهتزّ من تحت قدميه، فيغادر البلاد من دون أن يلوي على شيء، حتى لتوضيب الأموال النقدية التي كانت في خزائنه، على مرمى اليد والعين.
هل هي مصادفة أن تبدأ الثورة في مصر، بعد أيّام على هروب بن علي، ويغدو الحديث في كلّ الأوساط الشعبية والسياسية في مصر، أنّ المصريّين ليسوا أقلّ شأناً من جيرانهم في تونس الفتية. وهكذا كان. الأوّل خلال أحد عشر يوماً، والثاني خلال ثمانية عشر يوماً.

هل هي مصادفة أن ينتفض الليبيّون على غرار الجيران ويثوروا على القائد، ولا يجدوا غضاضة في استخدام السلاح في وجه من ربق على صدورهم اثنين وأربعين عاماً، وهم يعلمون أنّ الثمن سيكون غالياً.

في التجربتين الأولى والثانية، بقيَ الرئيسان على قيد الحياة. أمّا في وضع القذافي فإنّه قُتل شرّ قتلة وشهد العالم كلّه التفاصيل الدقيقة لهذه النهاية. فالقائد أراد أن يبقى على الرقاب بقوّة السلاح، فحصد ما زرع.

وهل هي مصادفة أن يثور اليمنيّون على رئيسهم في الفترة الزمنية نفسها ولا يعودوا إلى منازلهم إلّا بعدما غادر مرّتين: الأولى عقب انفجار كاد يأخذ حياته. والثانية عندما وافق على المبادرة الخليجية التي قضت بتنازله عن السلطة. وهنا ضمِن الرئيس علي عبد الله صالح حياته وبقاءه في اليمن السعيد، ولو كان تحت وطأة المطالبات بمحاسبته وأنجاله وأقاربه في السلطة.

وهل هي مصادفة أن يثور السوريّون على نظام اشتهر بقبضته الحديدية وأغلاله الأمنية، بالتزامن مع محيطه؟

في الحال السورية، وبعد دخول الثورة سنتها الثانية، فإنّ الذي ينظر إلى الوراء لا يصدّق ما يجري اليوم، والذي ينظر إلى الغد لن يصدّق ما ستحمله قابل الأيام من متغيّرات. لن يمرّ يوم على الثورة السورية بعد الآن إلّا ويحمل جديداً.

عسكريّاً: الجيش السوري الحر يزداد قوّة، سواء من خلال مزيد من الانشقاقات أو من خلال المزيد من الدعم المفتوح على كلّ الاحتمالات. ولعلّ توصّل الجماعات إلى آلية قيادية سيساهم في إقناع الدول المقتنعة بوجوب التغيير في سوريا، بأنّ الوقت قد أزف لرفع مستوى المساعدات العسكرية وتطوير نوعيتها.

سياسيّاً: لا بدّ من التأكيد، وفقاً للمعلومات في العواصم الغربية، أنّ كلّ مخازن الأسلحة باتت مشرّعة الأبواب في انتظار الموقف في أيّ لحظة من دول القرار، وهذا القرار لن يتأخّر بعد انتهاء الانتخابات الأميركية في غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة. ولا يتوهّمَنّ أحد أنّ المسألة صعبة وشائكة ومعقّدة، وأنّ تركيا ستقوم بالحرب وأنّ إيران ستشارك، وكلّ ذلك من السيناريوهات التي تساق هنا وهناك.

بل هي أبسط من كلّ ذلك. فمن سيتولّى مواجهة النظام هم السوريّون أنفسهم من خلال الجيش الحر وبقيّة القوى العسكرية التي ارتأت الانشقاق عن النظام. وتبعاً لذلك، لا يمكن لإيران أو أيّ جهة الادّعاء بأنّ الغرب أو الخارج يتدخّلان في الشؤون الداخلية السورية.

أمّا القول إنّ تركيا والسعودية وقطر تساعد "الجماعات الإرهابية المسلّحة"، فإنّ إجبار الحكومة التركية الطائرة السوريّة "المدنية" على الهبوط في أحد مطاراتها "أسبن دوغ" في أنقرة، والعثور على ذخائر روسية الصنع ضمن حمولتها، هو تأكيد أنّ روسيا تمدّ النظام السوري بالمعدّات والتقنيات التي يستخدمها في الحرب، على عكس التصريحات التي كان يدلي بها المسؤولون الروس، وفي مقدّمهم الرئيس فلاديمير بوتين بأنّ بلاده لا تقدّم أسلحة تُستخدم في حرب النظام في سوريا على الجماعات المسلّحة.

ولعلّ الروس أدركوا الأبعاد التركية لخطوة الكشف عن المعدّات الروسية على متن طائرة مدنية ووصلتهم الرسالة. ولعلّ الحكومة السورية تكفّ عن إطلاق الاتّهامات يميناً وشمالاً لدول بمساعدة "الإرهابيين"، وتلتفت إلى سبل مصالحة النظام مع الناس من منطلق التغيير من رأس القمّة. أمّا لماذا أعطيَ موضوع الطائرة السورية اكبر من حجمه، فذلك يعود إلى عامل استعراض القوى الإقليمية لقدراتها وأدوارها في الصراع الدائر في المنطقة.

وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ تركيا أجبرت في 20 آذار الماضي طائرة شحن إيرانية على الهبوط في جنوب شرق تركيا، في ثاني حادث من نوعه في أسبوع واحد، للاشتباه بأنّها تحمل أسلحة أو متفجّرات إلى سوريا. ولم تقم الدنيا لهذه الخطوة، وامتصّت إيران الموقف وحافظت على علاقتها مع تركيا، وحرصت على متابعة الحوارات مع مجموعة الستّ في اسطنبول.

فهل هي مصادفة أن تُظهر تركيا قدراتها العسكرية والاستخباراتية؟ أم أنّ ما يجري يصبّ في خانة تأكيد الرسائل للنظام السوري بأنّه بات غير مرغوب فيه وأنّ قدرته على الصمود والاستمرار لن تكلّف سوى الشعب السوري

المزيد من العذابات والكثير من الخراب والدمار الذي باتت رائحته تفوح في كلّ المناطق السورية وتحمل في طيّاتها مزيداً من الأرواح التي لا ذنب لها إلّا أنّها وجدت في عهد يباهي الآخرين بأنّه صمد اكثر من نظرائه في المنطقة، وأنّ ما جرى هناك لن يحصل في بلاده. تماماً، كما كان يقول العقيد معمّر القذافي وقبله الرئيس المصري؟.

الرؤساء الذين تخلّوا عن السلطة، حافظوا على حياتهم، أمّا القذافي الذي لجأ إلى السلاح فلقي نهاية شنيعة. وهذا يدفع إلى الاستنتاج أن لا يأمن المسؤول الى السلاح، فكما هو قادر على استخدامه، فإنّ الآخرين قادرون.

قد تلعب الصدفة دوراً في الحياة الخاصة، أمّا في حياة الشعوب فإنّ الصدف تُبنى على التراكمات الشعبية التي ترفض العودة إلى عهد الرقّ والعبودية والدولاب والأمن المستهتر برقاب البلاد والعباد.
الأكثر قراءة