مَن قتل غبريال يمِّين وطلال الجردي؟
رنا اسطيح
Friday, 18-Nov-2016 00:06
لا ندري كيف ولماذا ضحكنا إلى هذه الدرجة، ولا نعلم كيف تمّ التلاعب بمشاعرنا وأفكارنا إلى درجة أننا لم نعد نعرف ما الذي شاهدناه وشهدنا عليه في عمليّة الانتحار المزدوجة التي تمّت على خشبة «مسرح مونو» وانتهت بإطلاق غبريال يمّين الرصاص على طلال الجردي قبل أن يُشهر المسدس على رأسه وينتحر، فيما يمكننا أن نفترض أنّ غبريال وطلال هما شخص واحد يعيش فصاماً حادّاً وقد يكون أقدم على قتل نفسه والانتحار في الوقت عينه. كيف؟ إنه صراع كومي- تراجيدي مذهل سحر الجمهور في عرض افتتاح مسرحية «فرضاً إنّو...» من إخراج جاك مارون الذي قدّم لجمهور المسرح اللبناني وحشَيْ تمثيل عملاقين ورائعة مسرحيّة جديدة تأخذ الخشبة اللبنانية إلى مستوى جديد من الإبداع.
النقاط الثلاث في عنوان مسرحيّة «فرضاً إنّو...» قد تكون بنفس أهمّية الكلمتين الأوليين وأكثر، فالفرضيات اللامتناهية للقصة هي الحقيقة الوحيدة التي يمكن استنباطها من الاقتباس الذي قام به غبريال يمّين عن نصّ للأميركي الحائز أهم الجوائز العالمية آلن أركان.
يشبه نصّ يمّين المكتوب بالعامّية اللبنانية حقلَ ألغام مزروع بالمخاطر، فمع كلّ جملة جديدة احتمالٌ أكبر في أن تنفجر فكرة جديدة غير متوقعة في وجهكَ. تبدأ المسرحية فتظنّ أنك تعرف تماماً ما الذي تشاهده إلى أن ينقلب النص على ذاته بين المشهد والمشهد، فيفاجئك على غفلة لتعيد حساباتك وتنظر إلى الموضوع المطروح من زاوية جديدة.
القصّة الأساسية هي كما يلي: رجلان لا يعرف أحدهما الآخر، وظّفتهما جهة مجهولة لا أحد يعرف مَن هي، يلتقيان في مكان لا نعرف أين، لاستلام شحنة محتويات غير معروفة، بهدف القيام بعملية لا يعرفان عنها شيئاً.
هكذا تبدأ الثنائية التمثيلية بعمليّة شدّ حبال بين الرجلين، فطلال الجردي يقدّم نفسه على أنه الشخص المهني وصاحب الذكاء الفذّ والطباع الناريّة، فيما يمثّل غبريال يميّن صورة رجل غير متزن يعاني من هذيان واضح ويشكّل همزة الوصل بين الموظّف والسلطة ساعياً إلى تنفيذ أوامرها بصرامة.
يحاول طلال مقاومة عملية ترويضه ويرفض تنفيذ الأوامر بشكل أعمى قبل أن نراه يخسر دفاعاته تدريجاً أمام خصمه الذي يعيد تشكيل الواقع وفقاً لهواجسه والفضاء المتخيَّل الذي يتداخل بشكل سحري مع الواقع فينقلب عليه ويبتلعه قبل أن يستفيق إليه.
هل هو النظام الاقتصادي والسياسي الذي يروّضنا ويجعلنا حيوانات زاحفة من أجل لقمة العيش؟ هل هي المنظومات المؤسساتية التي تمسك الفرد من عنقه وتغذّي فيه الخوف من المجهول ليبقى خاضعاً ولا يطرح الأسئلة؟
هل هي معركة الفرد مع شبحه في المرآة ومع هلوساته وخوفه من الغد الذي يحرمه من العيش اليوم؟ أم هو الصراع الكبير بين الوهم والواقع؟ تكاد المسرحية تقول لنا: ما تظنّه واقعاً وحقيقةً صعبةً تفني حياتك من أجله وتعتقد أن لا مفرّ لك منه هو وهم، بينما كلّ ما تعتقد أنه وهمٌ هو الحقيقة الكبرى.
كلّ شخص منّا يعيش غارقاً في هموم تشدّه إلى عالمها لدرجة أنه يفقد الصلة بالعالم الحقيقي. يصارع من أجل الوصول إلى أهداف إفتراضيّة ويحبس نفسه في الفرضيّات: ماذا لو لم أستطع أن أؤمّن هذا المبلغ أو أحقّق هذا الهدف المهني أو أغيّر هذا الواقع... يرضخ للنظام الذي يجعله يظنّ أن التافه هو الأكثر أهمّية، يستعمل ما يقدّمه له في علبة مغلقة من مفاهيم وأفكار، يفتحها، يستعملها، يخضع لسلطتها، يستسلم لهواجسها ولخوفه منها. الخوف يكبر، إلى أن يسحق حامله.
الأسئلة تنهشه: كيف ومتى أصبحت هنا؟ كيف مرّ العمر؟ الوقت حبل يطول ويطول إلى أن يلتفّ حول أعناقنا، فالإنسان أحياناً لا يموت وإنما يُنتحَر فيما المجرم واحد: وهو الخوف!
«فرضاً إنّو...» تختزل إشكاليات الإنسان في بعده العالمي من على خشبة لبنانية بأداء ممثليْن يستحقان التصفيق وقوفاً وبنصّ متين الصياغة وعميق التأثير، وبرؤية إخراجية قويّة لجاك مارون الذي يكسب رهاناً مسرحياً جديداً.
جدير بالذكر أنّ «فرضاً إنّو ...» تُعرض على خشبة مسرح مونو وهي من إنتاج جاﻙ ماروﻥ و»محترﻑ الممثلين في بيروت» ويتألف فريق العمل من هاغوب ديراغوسيان (الإضاءة) ورمزي ماضي (تصميم الصوت)، وجوزيان بولس (إدارة الإعلام).
يشبه نصّ يمّين المكتوب بالعامّية اللبنانية حقلَ ألغام مزروع بالمخاطر، فمع كلّ جملة جديدة احتمالٌ أكبر في أن تنفجر فكرة جديدة غير متوقعة في وجهكَ. تبدأ المسرحية فتظنّ أنك تعرف تماماً ما الذي تشاهده إلى أن ينقلب النص على ذاته بين المشهد والمشهد، فيفاجئك على غفلة لتعيد حساباتك وتنظر إلى الموضوع المطروح من زاوية جديدة.
القصّة الأساسية هي كما يلي: رجلان لا يعرف أحدهما الآخر، وظّفتهما جهة مجهولة لا أحد يعرف مَن هي، يلتقيان في مكان لا نعرف أين، لاستلام شحنة محتويات غير معروفة، بهدف القيام بعملية لا يعرفان عنها شيئاً.
هكذا تبدأ الثنائية التمثيلية بعمليّة شدّ حبال بين الرجلين، فطلال الجردي يقدّم نفسه على أنه الشخص المهني وصاحب الذكاء الفذّ والطباع الناريّة، فيما يمثّل غبريال يميّن صورة رجل غير متزن يعاني من هذيان واضح ويشكّل همزة الوصل بين الموظّف والسلطة ساعياً إلى تنفيذ أوامرها بصرامة.
يحاول طلال مقاومة عملية ترويضه ويرفض تنفيذ الأوامر بشكل أعمى قبل أن نراه يخسر دفاعاته تدريجاً أمام خصمه الذي يعيد تشكيل الواقع وفقاً لهواجسه والفضاء المتخيَّل الذي يتداخل بشكل سحري مع الواقع فينقلب عليه ويبتلعه قبل أن يستفيق إليه.
هل هو النظام الاقتصادي والسياسي الذي يروّضنا ويجعلنا حيوانات زاحفة من أجل لقمة العيش؟ هل هي المنظومات المؤسساتية التي تمسك الفرد من عنقه وتغذّي فيه الخوف من المجهول ليبقى خاضعاً ولا يطرح الأسئلة؟
هل هي معركة الفرد مع شبحه في المرآة ومع هلوساته وخوفه من الغد الذي يحرمه من العيش اليوم؟ أم هو الصراع الكبير بين الوهم والواقع؟ تكاد المسرحية تقول لنا: ما تظنّه واقعاً وحقيقةً صعبةً تفني حياتك من أجله وتعتقد أن لا مفرّ لك منه هو وهم، بينما كلّ ما تعتقد أنه وهمٌ هو الحقيقة الكبرى.
كلّ شخص منّا يعيش غارقاً في هموم تشدّه إلى عالمها لدرجة أنه يفقد الصلة بالعالم الحقيقي. يصارع من أجل الوصول إلى أهداف إفتراضيّة ويحبس نفسه في الفرضيّات: ماذا لو لم أستطع أن أؤمّن هذا المبلغ أو أحقّق هذا الهدف المهني أو أغيّر هذا الواقع... يرضخ للنظام الذي يجعله يظنّ أن التافه هو الأكثر أهمّية، يستعمل ما يقدّمه له في علبة مغلقة من مفاهيم وأفكار، يفتحها، يستعملها، يخضع لسلطتها، يستسلم لهواجسها ولخوفه منها. الخوف يكبر، إلى أن يسحق حامله.
الأسئلة تنهشه: كيف ومتى أصبحت هنا؟ كيف مرّ العمر؟ الوقت حبل يطول ويطول إلى أن يلتفّ حول أعناقنا، فالإنسان أحياناً لا يموت وإنما يُنتحَر فيما المجرم واحد: وهو الخوف!
«فرضاً إنّو...» تختزل إشكاليات الإنسان في بعده العالمي من على خشبة لبنانية بأداء ممثليْن يستحقان التصفيق وقوفاً وبنصّ متين الصياغة وعميق التأثير، وبرؤية إخراجية قويّة لجاك مارون الذي يكسب رهاناً مسرحياً جديداً.
جدير بالذكر أنّ «فرضاً إنّو ...» تُعرض على خشبة مسرح مونو وهي من إنتاج جاﻙ ماروﻥ و»محترﻑ الممثلين في بيروت» ويتألف فريق العمل من هاغوب ديراغوسيان (الإضاءة) ورمزي ماضي (تصميم الصوت)، وجوزيان بولس (إدارة الإعلام).
الأكثر قراءة