وهب الأعضاء... أمل جديد في الحياة
جنى جبّور
Saturday, 12-Nov-2016 00:02
لا تبدو ظاهرة زراعة الأعضاء غريبة عن لبنان، إلّا أنها لا تزال تشكّل الكثير من الجدل والخوف، ما يزيد معوقات انتشار فكرة تقبّل الزرع، على رغم أهمية وهب الأعضاء وزرعها ومساهمته في رسم بداية جديدة لمرضى فقدوا كل أمل في الحياة.
زراعة الأعضاء، علاج يهدف الى تبديل الأعضاء او الانسجة المصابة بأخرى سليمة أو أجزاء منها.

هذه العملية معقدة وصعبة، ولكنها تعتبر افضل طريقة لعلاج الفشل الوظيفي لعضو معيّن. العلاج بواسطة الزرع يزيد من فترة بقاء المريض على قيد الحياة كما يحسّن من جودة حياته.

الّا انّ «الزرع في لبنان يشكّل مشكلة، لأنّ الاعضاء غير متوافرة ومن الصعوبة ان نجدها» بحسب الاختصاصي في علم المناعة، والباحث في مركز الابحاث التابع للمركز العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية الدكتور حسان سعيّد الذي شرح لـ«الجمهورية» أنّه «يمكن نقل الطعم (العضو الذي نريد زرعه)، من قسم الى قسم آخر في الجسم، او من متبرّع لإنسان آخر، أو من الحيوانات الى البشر، كما هي الحال في حالات نقل أمعاء من الكلاب الى الانسان، وفي هذه الحالة تكون العملية أكثر تعقيداً».

أبرز الاعضاء المزروعة

وعن عمليات الزرع التي يمكن القيام بها في أيامنا هذه، يقول سعيّد: «أبرز العمليات هي زَرع الكلى، الكبد، الامعاء، القلب، الرئتين، النخاع العظمي، خلايا البنكرياس، الجلد، القرنية والعظام. القرنية هي من أكثر الاعضاء التي تنجح في الزرع ولا يرفضها الجسم وذلك لأنه لا يوجد فيها إمدادات للدم».

عادةً، يكون احتمال التلاؤم بين الواهب والمتلقّي ضئيلاً جدّاً، الّا في حال التوائم المتطابقة. ويوضح سعيّد أنه «بعد توافر الواهب وقبل الزرع، نبحث عن اكبر عدد من العلامات المتطابقة عند الواهب والمتلقّي، إضافةً الى فئة الدم، وذلك لنجاح عملية الزرع».

رفض الزرع

يرفض الجهاز المناعي في جسم الانسان العضو المزروع، وفي هذا السياق يفصّل سعيّد: «يعامل نظام الحماية الطعم على انه جسم غريب، وخلال فترة زمنية قصيرة يتمّ تنشيط رد الفِعل المناعي ممّا يؤدي الى رفض الطعم. المناعة المكتسبة ضد الطعم متعلقة بنظام التلاؤم بين الانسجة المكونة من 400 بروتين مختلفة عن بعضها البعض والتي يتم تمثيلها في الكريات البيض.

وبما انّ النظام متنوع، فإنّ احتمالات التلاؤم بين المتبرع والمستقبِل ضئيلة جدّاً. وهذا النقص بالتلاؤم يسبّب تنشيط عمل نظام رفض الزرع، ونتيجة لذلك لا ينجح استقبال الطعم».

من الممكن التغلب على نظام الرفض عن طريق الاستعمال المستمر للأدوية المثبطة لجهاز المناعة، لذلك يشرح سعيّد: «هذه الادوية تقوم بمنع رفض الجسم للطعم وتزيد من احتمال بقاء الطعم على قيد الحياة لفترة اطول.

وتتمثّل هذه الادوية الروتينية بالكورتيكوستيرويد (corticosteroid) ومثبطات انقسام الكريات البيض، ومثبطات الكالسينيورين (calcineurin). والاجسام المضادة متعددة النسيلة أثبتت فعاليتها في نجاح عملية الزرع، ولكنها غير متخصصة فقط بعلاج رفض الطعم وإنما تضرّ ايضاً بمناعة الجسم ضد العدوى والامراض الخبيثة».

أنواع الرفض

يختلف الرفض من شخص الى آخر، وبحسب سعيّد «هناك الرفض الحاد جداً الذي يحدث مباشرةً بعد الجراحة، وهناك الرفض acute rejection الذي يحدث بعد اسبوع الى 3 اشهر، وهناك الرفض المزمن chronic rejection وفي هذه الحال تستمر الاستجابة المناعية للجسم في مقاومة العضو المزروع ببطء شديد على مدى عدة سنوات»، مضيفاً «انّ استمرار الرفض وعدم التجاوب مع الادوية المثبطة يؤديان الى تدمير العضو المزروع، ونلمس هذا التدمير من خلال اضطراب وظيفة العضو المزروع وظهور العوارض التي تدلّ على ذلك. وهنا يشكل العضو عبئاً على الجسم، واذا لم يعالج فإنّ ذلك يسبّب للمريض التهابات مزمنة قد تؤدي لاحقاً الى سرطانات».

امّا بالنسبة للواهب فلا يجب ان يعاني مشكلة صحية، وان يكون في صحة جيدة. كما انه من المهم التأكّد من تمتعه بقواه العقلية وانه اتخذ قراره بكامل رشده. اذاً، نحن نأخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار وأنّ الواهب سليم من الناحية الجسدية والعقلية والنفسية.

يعتبر العمر من العوامل المهمة في هذا النوع من العمليات، ويلفت سعيّد الى انه «لا يوجد عمر مثالي، لكن من المهم ان يكون جهاز المناعة قد نضج. ومن المعروف انّ هذا الجهاز يتطور مع العمر، كما يجب ان يتحمّل جسم المريض العمل الجراحي».

أهمية الخلايا الجذعية

ومن التقنيات الحديثة، استخدام الخلايا الجذعية التي يمكن استخراجها من المريض نفسه ووضعها في بنك مخصص لذلك واستعمالها عند الضرورة حيث تكون فرصة الرفض معدومة.

وتتميّز هذه الخلايا بالقدرة على الانقسام والتكاثر وتجديد ذاتها، لتعطي أنواعاً مختلفة من الخلايا المتخصصة، كخلايا العضلات وخلايا الكبد والخلايا العصبية والخلايا الجلدية، أي من الممكن أن تعطي أيّ نوع من الخلايا، فتنقسم الأخيرة لتعطي خلايا جديدة، وتتمايز لتصبح خلية ذات خصائص محددة. ومن المفترض ان تشجّع هذه التقنية الناس على استخراج الخلايا الجذعية عند ولادة أطفالهم».

لبنان وزرع الأعضاء

وهب الاعضاء موضوع مهم جدّاً، ويجب زيادة التوعية فيه لما له من فوائد مهمة علينا جميعاً، خصوصاً انه لم يعد هناك ايّ محاذير اخلاقية ودينية حادّة ورافضة. ويشير سعيّد الى انه «في لبنان تحسّن التجاوب في هذا الموضوع، وتعمل جمعيات وهب الاعضاء والمجتمع المدني على زيادة التوعية في هذا الاطار، ولكن يبقى الاهم ان نراعي الجوانب الاخلاقية في هذا الموضوع بعيداً عن التجارة».
الأكثر قراءة