لهذه الأسباب تُغرَم بمَن يصغرها سنّاً!
د. أنطوان الشرتوني
Monday, 22-Jun-2015 00:12
خلال عملي اليومي كمحلّل نفسيّ واختصاصي في الأمراض النفسيّة، ألتقي عائلات كثيرة وأبني جسر تواصل معها لنتمكّن من إيجاد الحلّ أو الحلول المناسبة لمشكلاتها الخاصّة. ولكنني في إحدى المرّات اقترفتُ خطأً فادحاً، إذ استقبلت زوجَين، فارق السنّ بينهما واضح جداً، فسألت المرأة: «كيف تصفين علاقتك بابنك... عفواً أقصد زوجك»؟ وقد جعلتني زلّة اللسان تلك مرتبِكاً أمامهما. وتساءلت حينها «كيف تمّ هذا الحبّ؟ وكيف ظهر هذا الاهتمام ببعضهما على رغم فارق السنّ الكبير؟»، فهل هناك أسباب نفسيّة تدفع المرأة للبحث عن زوج يصغرها سنّاً؟ وهل فارق السنّ يجعل الزواج ناجحاً؟ أو العكس صحيح؟
من الطبيعي أن تتزوّج المرأة رجلاً يكبرها سناً، ومن الطبيعي أيضاً أن يبحث هذا الأخير عن امرأة تصغره. فهذا النوع من الزواج يندرج ضمن «الأحكام» والقواعد التي فرضها المجتمع على الناس، ويُعتَبَر كلّ مَن خرج عن هذا الإطار شاذّاً، فتلاحقه نظرات الناس المؤذية وأقوالهم اللاذعة وانتقاداتهم الجارحة.

فارق السنّ... طبيعي ومقبول

أكّدت الدراسات النفسية والنفسية-الإجتماعية أنّ «فارق السنّ بين الزوج والزوجة، يُعتَبَر عاملاً أساسيّاً لنجاح الزواج، خصوصاً في المجتمعات الشرقية حيث يكون الرجل سَنَد المرأة والمسؤول عنها». وبالتالي، تفرض المجتمعات الشرقية على المرأة الارتباط برجل «مخضرَم» يكبرها سنّاً ليتمكّن من لعب دوره كاملاً وتحمّل مسؤولياته بشكل فعّال.

وقد يتجاوز فارق السنّ بين الزوجين العشر سنوات أحياناً، ولكن عندما تكبر المرأة زوجها، فإنّ نظرة المجتمع تختلف كليّاً وتكثر التساؤلات والشكوك. فهل نحسم بأنّ هذا النوع من الزيجات سيفشل حتماً، أمْ أنّ نجاح الزواج هو رهن وعي المرأة ومدى تمكّنها من مجاراة زوجها وطبيعة حياته؟

ما علاقة علم النفس باختيار الزوج؟

قبل الإجابة عن الأسئلة التي طرحناها أعلاه، لا بدّ لنا من ربط الزواج واختيار الشريك بعلم النفس، فثمّة علاقة وطيدة بين الاثنين. ففي مرحلة الطفولة، يعيش كلّ طفل (بين السنتين والستّ سنوات أيْ في المرحلة التي تتكوّن فيها شخصيّته) عقدة أوديب.

وفي تلك المرحلة، يميل الصبيّ إلى «عشق» والدته ويشعر بالمنافسة تجاه والده، في حين تُغرَم الفتاة بوالدها وتنافس أمّها عليه. وتنتهي هذه العقدة بتكوين «الأنا الأعلى» الخاصّة بكلّ طفل، فتعلم الفتاة أنّ الزواج من والدها أمرٌ مستحيل، كما أنّ زواج الصبي من والدته مستحيلٌ أيضاً.

وبما أننا «أوفياء» لماضينا، فإننا نختار عندما نكبر شريكة / شريك العمر بحسب «تجربة» عقدة أوديب، ونميل إلى اختيار شريك يشبه الأب أو الأمّ. وعندما نتكلم عن «إختيار شريك» شبيه بالأمّ أو بالأب، فإننا لا نقصد الشَبَه الفيزيولوجي فقط، وإنما نعني أيضاً الشَبَه على صعيد التصرّفات وطريقة الكلام والأفكار والمعتقدات والقيَم... باختصار، إنّ كلّ انسان يميل إلى اختيار شريك يشبه والده أو والدته.

لماذا تختار المرأة زوجاً يصغرها سنّاً؟

أسباب كثيرة تدفع المرأة إلى البحث عن رجل يصغرها سنّاً، منها نفسية ومنها اجتماعية، وأبرزها:

- التقدّم في السنّ: تقدّم المرأة في السنّ يدفعها إلى القبول بالارتباط بشخص يصغرها سنّاً وربما أقلّ ثقافةً منها، فتتمكّن من السيطرة عليه إذا كانت شخصيّتها تسلّطية.

- الوضع الإجتماعي للمرأة: إذا كانت ميسورة وغير متزوّجة، تجد نفسها بحاجة إلى الارتباط بمَن يصغرها سنّاً، ويكون ذلك بمثابة نَوع من التعويض العاطفي لها.

- تأكيد الذات: ثمة نساء لا يتقبّلن مظاهر التقدّم في السنّ والشيخوخة، فيبحثن عن رجل في «ربيع العمر». ويكون بحث المرأة هنا بمثابة تأكيد للذات وللغَير بأنها لا تزال جذّابة وتتمكّن من لفت الأنظار وإثارة إعجاب الشباب على رغم تقدّمها في السنّ.

- الإنجذاب العاطفي: هو من أهم أسباب تعلّق المرأة برجل يصغرها سنّاً. فالمرأة بتكوينها النفسي عاطفية وتحبّ أن تَحظى بالإهتمام. وإذا كان هذا الشاب يتمتّع بنضج عاطفي ووعي، تنجح علاقتهما.

- الشكل الخارجي والشخصية: هذان العاملان يلعبان دوراً كبيراً في هذا النوع من العلاقات، فإذا كانت المرأة محافِظة على جمالها ولا تبدو عليها علامات التقدّم في السنّ، فإنّها تميل إلى الارتباط بمَن يصغرها سنّاً.

هل ينجح زواج المرأة بمَن يصغرها سنّاً؟

الجواب على هذا السؤال بسيط جداً ومعقّد في الوقت عينه: نعم وكلا، فلكلّ علاقة ظروفها الخاصة. وبالتالي لا يجوز تعميم قاعدة الفشل أو النجاح على هذا النوع من العلاقات. فإذا كان الزوجان على رغم فارق السنّ بينهما راضيَين عن علاقتهما، فهذا يعني أنّ زواجهما ناجح وممتاز والعكس صحيح.

ولكننا ننتمي إلى مجتمع شرقيّ يفرض قواعده وشروطه علينا، ولا يتقبّل زواج الرجل من امرأة تكبره سنّاً خصوصاً أنّ العقلية الذكورية متحكّمة به. ففي مجتمعنا يُنظَر إلى الرجل على أنّه «الأقوى»، وبالتالي يجب أن يكون الأكبر في السنّ ليتمكّن من تدبّر أمور عائلته. أمّا الرجل الذي يقترن بامرأة تكبره سنّاً فيكون قد وجد لديها العاطفة التي تنقصه.

ويمكن تحليل هذا النوع من الإنجذاب وفق «عقدة أوديب»، أيْ علاقة الشاب مع أمه عندما كان صغيراً: هل أحبّته أمه منذ صغره؟ هل رفضت عاطفته؟ هل ابتعدت عنه وأجبرته على البحث عن عاطفة «الأم» والإحساس بالأمان والإطمئنان وبالإحتضان لدى امرأة أخرى؟
الأكثر قراءة