عملية أمنية «محترفة» تنهي «أسطورة» سجن رومية
ناتالي اقليموس
Tuesday, 13-Jan-2015 00:18
«عملية نظيفة ومحترفة»، بهذه الكلمات الثلاث أوجَز وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، العملية الأمنية المحترفة التي شهدَها سجن رومية أمس، معلناً «انتهاء أسطورة السجن، وبدء مرحلة جديدة»، بعد نقل عددٍ من السجَناء من المبنى «ب» (مبنى الموقوفين الإسلاميين) إلى المبنى «د». بموازاة تلك الحملة، هدّدَت «جبهة النصرة» مغرّدةً عبرَ «تويتر»: «ستسمعون عن مفاجآت في مصير أسرى الحرب لدينا، فانتظِرونا».
«فيكْ تِنزَل من رومية... بَس ممنوع تِطلع». على هذه القاعدة استفاقَ أمس سكّان رومية وهديرُ المروحيات الاستطلاعية يملأ الأجواء، فيما الكلاب البوليسية تمشّط جوانب الطريق.

منذ السادسة فجراً، إجراءات أمنية مشدّدة، تفتيش على الحواجز، ملّالات، دبّابات زُرِعت على طول الأوتوستراد، مانعةً المواطنين من العبور، باستثناء الصحافيين، حتى إنّ باصات المدارس عادت أدراجَها عند أوّل حاجز أمني، بعدما قطعت القوى الأمنية الطريق من نهر الموت إلى رومية.

خَلفية المداهمة

على أثر الاجتماع الأمني مساء أمس الأوّل تبيّنَ للقوى الأمنية ارتباط سجَناء إسلاميين من سجن رومية في تفجيرَي جبل محسن. وبعد رصدِ اتّصالات داخل المبنى «ب» تقرّرَ تنفيذ عملية أمنية صباح أمس، تقتضي نقلَ عدد من الموقوفين الإسلاميين من المبنى «ب» إلى المبنى «د».

الناطور ع. الذي ينام في المرآب المقابل للسجن، منذ 10 أعوام، كان أوّلَ مَن انتبَه لوجود عملية أمنية، منذ الصباح الباكر وهو يسمعَ: حركة مواكب مكثّفة، آليات عسكرية تدخل السجن، تعزيزات... فيقول: «طول عمرها هيك بتوصَل لتنفجِر وبتِهدا.... يخَلّصونا بَقى يشِيلو الحواجز بَدنا نسترزِق».

منذ الدقائق الأولى على بدء الحملة، تصاعدَ الدخان من أحد نوافذ المبنى «ب»، بعدما تعمَّد بعض السجناء إحراق فرشاتهم، وما يملكون من بطانيات. وتردَّد عن إصابة أحد السجناء والأمنيين، لكن سرعان ما تمّ نفيُ الخبر، على رغم ملاحظة حركة دخول وخروج للصليب الأحمر.

في هذا الإطار، أصدرَت قوى الأمن الداخلي بياناً أوضحَت فيه «أنّها نقلت عدداً من السجناء من المبنى «ب» إلى المبنى «د»، وقد قام بعض السجناء بأعمال شغَب، وعمدوا إلى افتعال الحرائق احتجاجاً على الإجراءات الأمنية التي تنفّذها العناصر المولَجة حراسة السجن». وطمأنَت القوى الأمنية أهالي السجناء «أنّ جميعَهم بخير، ويتمّ نقل بعضهم إلى المبنى «د» الجديد».

في الخارج...

ظلّ الدخان يتصاعد على نحو متقطّع حتى الثانية عشرة ظهراً، وأصوات قنابل دخانية متفجّرة من داخل السجن تُسمَع من وقت إلى آخر، بموازاة تحليق مكثّف لمروحيات تابعة للجيش. أمّا الإعلاميون فاصطفّوا على مقربة من مدخل السجن، وكاميرات المصورين مثبتة بانتظار خروج المشنوق ومعرفة تفاصيل العملية.

بين الاعتماد على الاتصالات الهاتفية والمصادر الشخصية، ظلّ الانتظار سيّد الموقف، وكاد الملل يتسلّل إلى الصحافيين لولا تبادلهم فيديو تردّد أنّه أرسِل من داخل سجن رومية، يظهر فيه مساجين يردّدون «الله أكبر»، بالإضافة إلى ورود خبر مفادُه: «الإسلاميون في سجن رومية يطالبون جنبلاط بتكليف أبو فاعور الوساطة بينهم وبين الدولة».

المشنوق

وبعد انتهاء العملية الأمنية، أكّد المشنوق «أنّ ما حصل اليوم أنهى أسطورة سجن رومية، وبدأنا مرحلة جديدة». وأوضحَ خلال مؤتمر صحافي عقدَه من السجن: «إنّ غرفة العمليات في سجن رومية التي توَلّت إدارة تحرّكات إرهابية والتواصل مع مجموعات متطرّفة قد انتهَت اليوم».

وأشار إلى أنّ «جزءاً من عملية تفجير جبل محسن تمّ إدارته من داخل السجن، وما قمنا به عملية محترفة، وما يحصل في المبنى «ب» لا يمكن أن يستمرّ، ولم نتعرّض لأيّ سجين.

والمبنى الجديد الذي نُقِل إليه السجناء مجهّز ومطابق للشروط، وصفة الإسلاميين غير متلازمة مع مخالفة القانون». وتوجَّه المشنوق إلى أهالي العسكريين المخطوفين، مطَمئناً: «لم نقصّر في حماية المخطوفين والاهتمام بحرّيتهم، ولا يجب أن ننسى أنّنا نتعامل مع منظّمات إجرامية».

وأكّد المشنوق مواصلته حملة التفتيش قائلاً: «حملة التفتيش والتدقيق ستتمّ في فترة لاحقة، ما حصلَ مجرّد نقلٍ للسجناء. مواجهة الإرهاب مستمرّة، وسنتابع الخطة ونقوم بواجبنا، وتجربة اليوم أكّدت أنّ القوى الأمنية قادرة».

يدٌ من حديد

من جهته، أثنى الأب هادي عيا رئيس جمعية عدل ورحمة على ما شهدَه السجن، قائلا: «منذ 7 سنوات وبعض السجناء باتوا أشبَه بحاكمين، لا بل يشكّلون خطراً على بقيّة السجناء والقوى الأمنية. ولكنّ العملية الأمنية وَضعت حدّاً لسياسة الأمن بالتراضي».

وقال لـ«الجمهورية» بعدما التقيناه أمام السجن، وعلى ملامحِه علامات الرضى والمباركة: «في ضوء تجربتي مع المساجين، كان البعض منهم يتمنّى الذهاب إلى المبنى «ب» نتيجة الامتيازات الموجودة داخله من إنترنت إلى استخدام الهواتف، حتى إنّ مساجين ذاك المبنى كانوا أحياناً يتمنّعون عن الذهاب إلى المحكمة... وكأنّ المبنى «ب» جناحٌ خارج عن سلطة الدولة، لذا كنّا نخشى على القوى الأمنية من هؤلاء المساجين... على أيّ حال هنيئاً للدولة بقوّتها الأمنية التي تعرف كيف تضرب بيدٍ من حديد بأقلّ خسائر بشَرية ممكنة، تتصرّف بمهنية عالية رغم تعاملِها مع مساجين يتمتّعون بخصوصية أمنية».

«النصرة» تهدّد... والأهالي يتحرّكون

في موازاة ذلك أطلقَت «جبهة النصرة» تهديداً عبر حسابها على «تويتر»، صفحة «مراسل القلمون»، «باتّخاذ إجراءات ضد الجنود اللبنانيين المحتجَزين لديها، بعد حملة تفتيش نفّذتها القوى الأمنية في سجن رومية». وقالت: «نتيجة التدهور الأمني في لبنان، ستسمعون عن مفاجآت في مصير أسرى الحرب لدينا، فانتظِرونا».

وفي ما بعد بثّت الجبهة عبر «تويتر» فيديو تحت عنوان «مواجهات سجن رومية»، يُظهر مجموعةً من السجَناء في إحدى الغرَف وهم يصرخون «الله أكبر». وفيما بعد نشرَت عبر «تويتر» صورة للعسكريين الرهائن لديها، تُظهِرهم مكبَّلين على الأرض بظروف مناخية صعبة، ومترافقة مع عبارة «من سيدفع الثمن؟». إثر ذلك قطعَ أهالي العسكريين المخطوفين شارع المصارف في رياض الصلح، بعد ورود معلومات عن احتمال تصفية أحد أبنائهم المخطوفين لدى «النصرة».
الأكثر قراءة