حمزة الحاج حسن
Wednesday, 24-Dec-2025 07:30
بعد إعلان نتنياهو «إسرائيل الكبرى» ماذا نحن فاعلون؟

فقدت منطقة غرب آسيا توازنها السياسي والأمني والإقتصادي منذ بداية ما وُصِفَ بالربيع العربي في العام 2011، لتبلغ ذروة هذا الإختلال بعد عامَين من الحرب الإسرائيلية، بدعم سياسي وعسكري أميركي أطلسي، مع «جبهة المقاومة» في السابع من تشرين الأول العام 2023، من غزة ولبنان إلى اليمن وإيران وبينها سوريا والعراق. بالتوازي شهدت السنوات العشر الأخيرة تحوّلات كبرى على مستوى العالم، كشفت عجز أوروبا أمام التسلُّط الأميركي، بعد انخراطها في حرب أوكرانيا مع روسيا، وكشفت هشاشة جيوشها في معركة استنزاف، لإضعاف روسيا وأوروبا لمصلحة النفوذ الأميركي الذي يتوجّس من التهديد الصيني المتصاعد اقتصادياً واستراتيجياً.

لقد استطاع تحالف إسرائيل، بدعم أميركيي أطلسي، من توجيه ضربة كبيرة لقوّة الردع لدى «المقاومة» في لبنان التي احتفظت، على رغم من ذلك، بقوّة الدفاع التي عجزت إسرائيل في عدوانها من انتزاعها على رغم من الإبادة والتجويع والمجازر التي ارتكبتها.

 

الخلل الذي أحدثته واشنطن بسياسة الهيمنة والتسلُّط، كان على حساب تراجع حاد لدور الأمم المتحدة ومجلس الأمن المناط به الحَدّ من النزاعات وحفظ السلم والأمن الدوليَّين، فكان السقوط مدوّياً للأمم المتحدة في العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، حيث الإبادة والتهجير بحق الشعب الفلسطيني المحاصر بالجوع والنار. في المقابل، وقف مجلس الأمن عاجزاً، بفعل الضغط الأميركي، فيما اكتفى خصوم واشنطن الروس والصينيِّين ومَن معهم، بموقف المتفرج العاجز عن قول كلمة لوقف إبادة العصر.

 

وأمام سطوة المصالح كان المتغيِّر الوحيد هو الرأي العام الغربي الذي تظاهَر وندَّد بجرائم الإحتلال، فيما كان الصمت يخطف الشارع العربي في ثبات أشبه بالمَوت.

 

يُقدِّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجولان السوري المحتل لنتنياهو، بعد أسابيع على استقباله رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، ويقول إنّ قيمة هذا العطاء الترامبي تساوي تريليونات الدولارات، متجاهلاً سيادة سوريا واستقلالها! ليس عبثاً كرم ترامب من أرض وثروات وتهجير للسكان الأصليِّين في ظل الضعف السوري والعجز الدولي، بل هو صفقة بدأها نتنياهو بالإعلان عن «إسرائيل الكبرى» التي ضمَّت في خارطتها المزعومة سوريا، لبنان، الأردن، العراق، وأجزاء كبرى من السعودية ومصر، في شرق أوسط جديد اعتبر نتنياهو أنّه يُنهي حدود «سايكس-بيكو»، ليفتح المنطقة على التوسع الإحتلالي الصهيوني على حساب الدول العربية ومن بينها دول مُطبِّعة وخاضعة.

 

تعتقد حكومة نتنياهو أنّ تحقيق الهيمنة الإسرائيلية لا يكتمل بالدعم الأميركي والإنصياع العربي فحسب، بل يحتاج إلى نزع أي سلاح وقوّة تُعيق، تعرقل أو تُنهي هذا المشروع المدفوع بعقيدة صهيونية تلمودية معادية لكل ما يناقضها ويقاومها. فما أن سقط النظام السوري السابق وسيطرت قوى تعتبر نفسها غير معادية لإسرائيل، حتى شنّت تل أبيب وعلى مدى أيام غارات دمّرت كل ما بنته سوريا عسكرياً في 50 عاماً، لتبدأ بعد ذلك بنسف اتفاق الهدنة، وسيطرت على جبل الشيخ، وأخضعت معظم قرى ومدن الجنوب السوري الحدودية إلى سيادتها الأمنية، في وقت علت أصوات المستعمرين للشروع ببناء مستوطنات صهيونية على الأرض السورية.

 

الواقع الذي تفرضه إسرائيل على سوريا تسعى إلى تحقيقه في لبنان الذي لا يزال يُشكِّل العقبة الكبرى أمام مشروعها الإحتلالي غير المستقرّ، في ظل قوّة لبنانية خَبَرتها تل أبيب في الحرب البرّية التي خاضتها «المقاومة» على مدّة 66 يوماً حشدت فيها حكومة نتنياهو 70 ألف جندي لاجتياح الجنوب وصولاً إلى الأولي، ضمن خطة بدأتها في تفجيرات «البيجر»، تبعها اغتيال قادة «المقاومة» العسكريِّين والسياسيِّين وغارات جوّية استهدفت في يوم واحد نحو 1500 هدف.

 

وأكّد قائد قوات «اليونيفيل» العاملة في لبنان ديوداتو أبانيارا للقناة 12 الإسرائيلية في 7/12/2025، أنّ «إسرائيل تنتهك اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بشكل صارخ، وليس لدينا أي دليل على أنّ «حزب الله» يُعيد تأهيل نفسه جنوب الليطاني». هذا التأكيد الأممي سبق أن أكّده الجيش اللبناني في تقاريره التي قدّمها للحكومة اللبنانية، التي تؤكّد تعاون «المقاومة» والتزامها الكامل بالقرار 1701، وإنّ قوات الاحتلال لم تُنفِّذ أي جزء من اتفاق وقف الأعمال العدائية.

 

وأكّدت التقارير، أنّ ما يُعيق السيطرة التامة على جنوب الليطاني هو استمرار الإعتداءات الإسرائيلية وعدم الإنسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة. الحقائق الأممية وتأكيد الجيش للإنتهاكات الإسرائيلية تُعطي لبنان الحق في الدفاع عن حقوقه وتحُدّ من الضغوط الخارجية، إلّا أنّ مواقف بعض الأطراف الداخلية التي تُصرّ على زرع الإنقسام بين اللبنانيِّين وضرب أوراق القوّة التفاوضية من خلال التركيز على حصر السلاح، ولو بالقوّة، والتغاضي عن الإنتهاكات والإعتداءات الإسرائيلية اليومية، تمنح تل أبيب فرصة للتهرُّب من تطبيق الإتفاق، والدفع إلى أن تكون الأولوية لتعطيل دور سلاح «المقاومة» على حساب عدم تنفيذ الإنسحاب وتحرير الأسرى وإعادة الإعمار، الأمر الذي يسمح لاحقاً لجيش الإحتلال بالدخول إلى القرى في جنوب لبنان، كما هو الحال في الجنوب السوري، من دون أي مواجهة.

 

لقد تجاوزت الإعتداءات الإسرائيلية الـ10 آلاف انتهاك بحسب الأمم المتحدة العاجزة، مع المجتمع الدولي، على إلزام إسرائيل بتطبيق القرارات الدولية والتوقف عن انتهاك السيادة اللبنانية، ممّا يضع اللبنانيِّين جميعاً بعيداً من الحسابات الطائفية والفئوية، أمام تحدّي الدفاع عن بلدهم وسيادة وطنهم.

 

فماذا عن رعاة الإتفاق كأطراف ضامنة لتنفيذه؟ وما هي الخيارات اللبنانية أمام عجز الأمم المتحدة؟ وإذا كانت إسرائيل تريد احتلال كامل الجنوب لتوسيع مستعمراتها ونهب مياهه وثرواته وضمّه إلى «إسرائيل الكبرى» فماذا نحن فاعلون؟

 

أسئلة تحتاج إلى إجابات واقعية تنطلق من مصلحة اللبنانيِّين العليا وحماية بلدهم واستقلالهم، في مرحلة تشهد تحوّلات كبرى في ظل عقيدة ترامب القائمة على «السلام بالقوّة»، إذ ينظر «أبو إيفانكا» إلى العالم بعَين المصالح لا بمفاهيم القِيَم الإنسانية والقوانين الدولية.